وسمّي ذلك نسخا ، وأين النسخ من الخطأ؟ فالنسخ يكون مع البصيرة ، والخطأ لا يكون مع البصيرة ، وكذلك صاحب العقل ، وهو واقع من جماعة من العقلاء ، إذ نظروا واستوفوا في نظرهم الدليل وعثروا على وجه الدليل أعطاهم ذلك العلم بالمدلول ، ثم تراهم في زمان آخر أو يقوم له خصم من طائفة أخرى كمعتزلي أو أشعري أو برهمي أو فيلسوف بأمر آخر يناقض دليله الذي كان يقطع به ويقدح فيه ، فينظر فيه فيرى أن ذلك الأول كان خطأ ، وأنه ما استوفى أركان دليله وأنه أخل بالميزان في ذلك ولم يشعر ، وأين هذا من البصيرة؟
(وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٣) ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاء وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (٤) مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (٥) قُلْ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ هَادُوا إِن زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِيَاء لِلَّهِ مِن دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ (٦) وَلَا يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (٧) قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (٨) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ) (٩)
اعلم أن يوم الجمعة هو آخر أيام الخلق ، وفيه خلق من خلقه الله على الصورة وهو آدم ، فيه ظهر تمام الخلق وغايته ، وبه ظهر أكمل المخلوقات وهو الإنسان ، ولما جمع الله خلق الإنسان فيه بما أنشأه تعالى عليه من الجمع بين الصورتين ـ صورة الحق وصورة العالم ـ