(إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَاللَّهُ عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ) (١٥)
أعظم البلايا والمحن وقوع الفتن ، وأي فتنة أعظم عند الرجال من فتنة الولد والمال ، الولد مجهلة مجبنة مبخلة ؛ والمال مالك ، وصاحبه بكل وجه وإن فاز هالك ، إن أمسكه أهلكه ، وإن جاد به تركه ـ راجع سورة الأنفال آية ٢٨ ـ.
(فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنفِقُوا خَيْرًا لِّأَنفُسِكُمْ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (١٦)
(فَاتَّقُوا اللهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) وإن كان المؤمنون قد تقدم ذكرهم فأعاد الضمير عليهم ، ولكن مثل هذا لا يسمى تصريحا ولا تعيينا ، فينزل عن درجة التعيين ، مثل قوله (اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقاتِهِ) من كوننا مؤمنين ، فيحدث لذلك حكم آخر ، فقال (فَاتَّقُوا اللهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) ابتداء آية بفاء عطف وضمير جمع لمذكور متقدم قريب أو بعيد ، والمضمر صالح لكل معين ، لا يختص به واحد دون آخر فهو مطلق ، والمعين مقيد ، فالضمير الخطابي يعم كل مخاطب كائنا من كان ، من مؤمن وغير مؤمن وإنسان وغير إنسان ؛ واعلم أن الاستطاعة لو بذلها الإنسان وقع في الحرج ، لأنه يكون قد بذلها عن جهد ومشقة ، وقد رفع الله الحرج عن عباده في دينه ، فعلمنا أن المراد بالاستطاعة في مثل قوله تعالى (فَاتَّقُوا اللهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) و (لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها) و (ما آتاها) أن حدها أول درجات الحرج ، فإذا أحس به أو استشرف عليه قبل الإحساس به فذلك حد الاستطاعة المأمور بها شرعا ، ليجمع بين قوله تعالى (فَاتَّقُوا اللهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) وبين قوله (ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) (ودين الله يسر) و (يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ) في قوله (مَا اسْتَطَعْتُمْ) ولما فهمت الصحابة من الاستطاعة ما ذكرناه لذلك كانت رخصة لعزمة قوله تعالى : (حَقَّ تُقاتِهِ) وتخيل الصحابة أن الله خفف عن عباده في قوله (اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقاتِهِ) بقوله (فَاتَّقُوا اللهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) وما علموا أنهم انتقلوا إلى الأشد ، فإن تقوى الله بالاستطاعة أعظم في التكليف ، فإنه عزيز أن يبذل الإنسان في عمله جهد استطاعته ، لابد من فضلة يبقيها ، وعلمنا أن الله أثبت العبد