يعلم رزقه فذلك الذي خرج من الضيق إلى السعة ، وهو قوله تعالى :
(وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا) (٣)
من حكم الاسم الإلهي اللطيف إيصال أرزاق العباد المحسوسة والمعنوية المقطوعة الأسباب من حيث لا يشعر بها المرزوق ، وهو قوله تعالى (وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ) وكما أن الله ما خلق الإنسان إلا لعبادته سبحانه وتعالى ، فهو يرزقه من حيث شاء ، فلا يشغل نفسه برزقه ، كما لا يشغل نفسه بأجله ، فإن حكمهما واحد ، وما يختص بهما حيوان دون حيوان ؛ فيعيش هذا المتقي الذي يجيئه رزقه من حيث لا يحتسب ، طيب النفس في سعة الرجاء ، وسعة من أمله ، فإن من علامة التحقق بالتقوى أن يأتي رزق المتقي من حيث لا يحتسب ، وإذا آتاه من حيث يحتسب فما تحقق بالتقوى ولا اعتمد على الله ، فإن معنى التقوى في بعض وجوهه أن تتخذ الله وقاية من تأثير الأسباب في قلبك بالاعتماد عليها ، والإنسان أبصر بنفسه ، وهو يعلم من نفسه بمن هو أوثق ، وبما تسكن إليه نفسه ، ولا يقول : إن الله أمرني بالسعي على العيال وأوجب عليّ النفقة عليهم ، فلابد من الكد في الأسباب التي جرت العادة أن يرزقهم الله عندها ، فهذا لا يناقض ما قلناه ، وإنما نهينا عن الاعتماد على الأسباب بقلبك والسكون عندها ، وما قلنا لك : لا تعمل بها ، ومن معنى قوله : (يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً) هو أن الله وإن رزقك من السبب المعتاد الذي في خزانتك وتحت حكمك وتصريفك وأنت متق أنك مرزوق من حيث لا تحتسب ، فإنه ليس في حسبانك أن الله يرزقك ولابد مما بيدك ومن الحاصل عندك ، فما رزقك إلا من حيث لا تحتسب وإن أكلت وارتزقت من ذلك الذي بيدك ، فهذه الآية وصية الله عبده ، وإعلامه بما هو الأمر عليه (وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ فَهُوَ حَسْبُهُ) أي به تقع له الكفاية ، فلا يفتقر إلى أحد سواه ، يقول رسول الله صلىاللهعليهوسلم : [ليس وراء الله مرمى] فلهذا كان حسبك لأنه الغاية التي إليها تنتهي ، عن أبي سعيد الخدري أنه قال إنه أصبح ذات يوم وليس عندهم طعام ، وأصبح وقد عصب على بطنه حجرا من الجوع ، فقالت له امرأته : ائت رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقد أتاه