بان لك محل المرأة من الموجودات ، وقد نبه الله على ما خصها به من القوة في قوله في حق عائشة وحفصة (وَإِنْ تَظاهَرا عَلَيْهِ) أي تتعاونا عليه (فَإِنَّ اللهَ هُوَ مَوْلاهُ) أي ناصره (وَجِبْرِيلُ وَصالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلائِكَةُ بَعْدَ ذلِكَ ظَهِيرٌ) هذا كله في مقاومة امرأتين ، وما ذكر إلا الأقوياء الذين لهم الشدة والقوة ، فلو نظر الإنسان وتأمل العظمة التي جعل الله نفسه في مقابلتها وجبريل وصالح المؤمنين والملائكة ، وذلك في حق امرأتين من نساء رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، لعلم الإنسان لمن استندتا ومن يقويهما ، وما أظن أن أحدا من خلق الله استند إلى ما استند هاتان المرأتان ، وقد عرفت عائشة وحفصة ، ولو علم الناس علم ما كانتا عليه لعرفوا معنى الآية ، ولو لا ما ذكر الله نفسه في النصرة ما استطاعت الملائكة والمؤمنون مقاومتهما ، فإنه لا يعلم قدر النساء إلا من علم وفهم عن الله ما قاله في حق زوجتي رسول الله صلىاللهعليهوسلم عندما تعاونتا عليه وخرجتا عليه ، وجعل في مقابلة هاتين المرأتين في التعاون عليه من يعاون رسول الله صلىاللهعليهوسلم عليهما وينصره ، وهو الله وجبريل وصالح المؤمنين ثم الملائكة بعد ذلك ، وليس ذلك إلا لاختلاف السبب الذي لأجله يقع التعاون ، فثمّ أمر لا يمكن إزالته إلا بالله لا بمخلوق ، ولذلك أمرنا أن نستعين بالله في أشياء ، وبالصبر في أشياء ، وبالصلاة في أشياء ، فثمّ أمر وإن كان بيد الله ، فإن الله قد أعطى جبريل اقتدارا على دفع ذلك الأمر ، فأعان محمدا صلىاللهعليهوسلم في دفعه إن تعاونتا عليه ، وإن رجعتا عنه وأعطتا الحق من نفوسهما سكت عنهما ، وكذلك صالح المؤمنين كان عندهما أمر نسبته في الإزالة بصالحي المؤمنين أقرب من نسبته إلى غيرهم ، فيكون صالح المؤمنين معينا لمحمد صلىاللهعليهوسلم ، وصالح المؤمنين يفعل بالهمة وهو أقوى الفعل ، ثم الملائكة بعد ذلك ، إذ لم يبق إلا ما يناسب عموم الملائكة التي خلقت مسخرة ، يدفع بها مالا يندفع في الترتيب الإلهي إلا بالملائكة ، مع انفراد الحق بالأمر كله في ذلك والقيام به ، ولكن للجواز العقلي أخبر الحق بالواقع لو وقع كيف كان يقع ، فما يقع إلا كما قاله ، وما قال إلا ما علم أنه يقع بهذه الصورة ، فأنزل الحق الملائكة بعد ذكر نفسه وجبريل وصالح المؤمنين منزلة المعينين ، فإن الظهير هو المعين ، ولا قوة إلا بالله ، فدل أن نظر الاسم القوي إلى الملائكة أقوى في وجود القوة فيهم من غيرهم ، فإنه منه أوجدهم ، فمن يستعان عليه فهو فيما يستعان فيه أقوى مما يستعان به ، فكل ملك خلقه الله من أنفاس النساء هو أقوى الملائكة ، فإنه من النفس الأقوى ، فتوجه الاسم الإلهي القوي