فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِن فُطُورٍ) (٣)
تدل هذه الآية على أن الله ما جعل في موجوداته من تفاوت في نفس الأمر ، فقال (ما تَرى فِي خَلْقِ الرَّحْمنِ مِنْ تَفاوُتٍ) فمنع أن يكون هناك تفاوت ، بل أراه الأمور على وضع الحكمة الإلهية ، فقال (فَارْجِعِ الْبَصَرَ) ينبه على النظر في المقدمتين (هَلْ تَرى مِنْ فُطُورٍ) يعني خللا يكون منه الدخل فيما يقيمه الدليل ، فيخترق البصر الجو حتى يصل إلى السماء الدنيا فلا يرى من فطور فينفذ فيه ، ومع ذلك فمن المحال أن يكون في الوجود أمر يوافق أغراض الجميع ، فإن الله خلق نظرهم متفاوتا.
(ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِأً وَهُوَ حَسِيرٌ) (٤)
ـ الوجه الأول ـ (يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ) وهو النظر (١) (خاسِئاً) بعيدا عن النفوذ فيه بدخل أو شبهة (وَهُوَ حَسِيرٌ) أي قد عيي أي أدركه العيا ـ الوجه الثاني ـ فينقلب البصر خاسئا وهو حسير ، أي قد أعي ، فإن البصر لا يرى المحسوسات المبصرات ويحسر ، فينقلب خاسئا فإنه لا يجد فطرا ينفذ فيه.
(وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاء الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُومًا لِّلشَّيَاطِينِ وَأَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابَ السَّعِيرِ) (٥)
الكواكب عندنا كلها مستنيرة لا تستمد من الشمس كما يراه بعضهم ، والقمر على أصله لا نور له البتة ، قد محا الله نوره ، وذلك النور الذي ينسب إليه هو ما يتعلق به البصر من الشمس في مرآة القمر على حسب مواجهة الأبصار منه ، فالقمر مجلى الشمس ، وليس فيه من نور الشمس لا قليل ولا كثير ، وجعلت النجوم مصابيح لما بيدها من المفاتيح ، فالأنوار تظهر للأبصار ما سترته الأحلاك (وَجَعَلْناها) أي الكواكب ، فجعل الله الكواكب ذوات
__________________
(١) النظر هنا هو النظر العقلي.