فكما سخّر الرياح والبحار ، هكذا سخّر الكواكب ، فالأمر هو ما تنتجه الحركات الكوكبية ، لأن الله ما جعل سباحتها في الأفلاك باطلا ، بل لأمور أودعها الله تعالى في المجموع ، فيها وفي حركاتها وفي قطعها في البروج المقدّرة في الفلك الأقصى ، فهي تؤدي في تلك السباحة ما أمنت عليه من الأمور التي يطلبها العالم العنصري والتي لها آثار فيه ، ولذلك فإن الفلك عندنا متحرك حركة إرادية كتحرك الإنسان في الجهات ، لأنه يعقل ويكلّف ويؤمر ، فهو متحرك بالإرادة ليعطي ما في سمائه من الأمر الإلهي الذي يحدث أشياء في الأركان والمولدات ، فحركة الفلك ما تعرف سوى ما تعطيه في الأركان من التحريك ، وشعاعات كواكبها بما أودع الله فيها من العقل والروح والعلم في أشخاص كل نوع من المولدات على التعيين ، من معدن ونبات وحيوان وجن ، وملك مخلوق من عمل أو نفس ، بقول من تسبيح وذكر أو تلاوة ، وذلك لعلمها بما أودع الله لديها مما ينفرد به الكوكب ومما لا ينفرد به ، فإن كل كوكب يعطى في الدرجة الفلكية على انفراده من الحكم ما لا يعطيه إذا اجتمع معه في تلك الدرجة كوكب آخر أو أكثر ، فذلك الذي يحدث من الاجتماع خارج عن الأمر الذي تنفرد به كل سماء ، والأمر هو ما يعطيه من الآثار في العالم ، كما تعطى كل آلة للصانع بها ما عملت له ، والصنعة مضافة للصانع لا للآلة. واعلم أن هذه النشأة الإنسانية قبل أخذ الميثاق كانت مبثوثة في العناصر ، ومراتبها إلى حين موتها التي يكون عليها في وجود أعيان أجسامها معلومة معينة في الأمر المودع في السموات ، لكل حالة من أحواله التي تتقلب فيها في الدنيا صورة في الفلك على تلك الحالة ، قد أخذ الله بأبصار الملائكة عن شهودها ، مكتنفة عند الله في غيبه ، معيّنة له سبحانه ، لا تعلم السموات بها مع كونها فيها ، وقد جعل الله وجود عينها في عالم الدنيا في حركات تلك الأفلاك ، فهذا من أمرها ، وشأنها حفظ هذه الصور إلى وصول وقتها ، فتعطيها مراتبها في الحياة الدنيا تلك الصورة الفلكية من غير أن تفقد منها ، ذلك تقدير العزيز العليم ، وهذه الصور كلها موجودة في الأفلاك التسعة ، وجود الصورة الواحدة في المرايا الكثيرة المختلفة الأشكال ، فمن أعطي في ذلك الموطن شهود نفسه ومرتبته حكم على نفسه بها ، وهنا شاهد رسول الله صلىاللهعليهوسلم نبوته فقال : [كنت نبيا وآدم بين الماء والطين] فكان له التعريف في تلك الحالة ، وأعطى الحق رسول الله صلىاللهعليهوسلم ما لم يعط غيره من وحي أمر السموات في طالع مولده ، فمن الأمر