عبد المطلب ، والقرآن كلام الله وهو صفته ، فكان محمد صفة الحق تعالى بجملته ، فمن يطع الرسول فقد أطاع الله ، لأنه لا ينطق عن الهوى ، فهو لسان حق ، فيكون محمد صلىاللهعليهوسلم ما فقد من الدار الدنيا ، لأنه صورة القرآن العظيم ؛ واعلم أن الأخلاق على ثلاثة أنواع : خلق متعد وخلق غير متعد وخلق مشترك ، فالمتعدي على قسمين : متعد بمنفعة كالجود والفتوة ، ومتعد بدفع مضرة كالعفو والصفح واحتمال الأذى مع القدرة على الجزاء والتمكن منه ، وغير المتعدي كالورع والزهد والتوكل ، وأما المشترك فالصبر على الأذى من الخلق وبسط الوجه ، قال صلىاللهعليهوسلم [إن لله تعالى ثلاثمائة وستين خلقا من لقيه بخلق منها مع التوحيد دخل الجنة] قال أبو بكر : هل فيّ خلق منها يا رسول الله؟ قال : كلها فيك يا أبا بكر ، وأحبها إلى الله تعالى السخاء ، وكل شيء عظمه الله يتعين تعظيمه على كل مؤمن ، ووصفه صلىاللهعليهوسلم بقوله تعالى (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ) فينظر المؤمن في القرآن ، فكل نعت فيه قد مدحه الله ومدح طائفة من عباده ـ كانوا ما كانوا ـ فيعلم أن ذلك صفة مدح إلهي ، فليعمل على الاتصاف بتلك الصفات ، وإذا ذكر الله في القرآن صفة ذم بها طائفة من عباده ـ كانوا ما كانوا ـ تعين عليه اجتنابها ، فيأخذ القرآن منزلا فيه ، كأن الحق ما خاطب به غيره ، فإذا فعل مثل هذا كان خلقه القرآن ، وعظمه الحق فعظم حيث تنفع العظمة ، ومكارم الأخلاق معلومة عقلا وشرعا وعرفا ، والتصرف بها وفيها معلوم شرعا ، فمن اتصف بها على الوجه المشروع ، وزاد تتميم مكارم الأخلاق وهو إلحاق سفسافها بها ، فتكون كلها مكارم أخلاق بالتصرف المشروع والمعقول ، مثل الكذب في الإصلاح بين ذات البين ، والحرص في الدين ، والخداع في الحرب ، فقد اتصف بكل ثناء إلهي ، فأثنى تعالى على رسول الله صلىاللهعليهوسلم بقوله (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ) ثم وصف لنا تعالى من خلقه صلىاللهعليهوسلم فقال الله تعالى (بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ) فللعبد أن يتخلق بالأسماء الإلهية حتى يرجع منها حقائق يدعى بها وينسب إليها ، سواء كان في حضرة الأفعال أو حضرة الصفات أو حضرة الذات.
(فَسَتُبْصِرُ وَيُبْصِرُونَ (٥) بِأَييِّكُمُ الْمَفْتُونُ (٦) إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (٧) فَلَا تُطِعِ الْمُكَذِّبِينَ (٨) وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ) (٩)