الله العلو إلا للماء ، فلو أضاف علو الماء إلى الله تعالى لحفظ عليه علوه فلم تكن تعلو عليه سفينة ولا يطفو على وجه الماء شىء أبدا ، فهذا شؤم الدعوى.
(لِنَجْعَلَهَا لَكُمْ تَذْكِرَةً وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ) (١٢)
يا صاحب الأذن إن الإذن ناداكا |
|
رفع الخطاب إذا الرحمن ناجاكا |
فإن وعيت الذي يلقيه من حكم |
|
عليك كانت لك الأسرار أفلاكا |
وإن تصاممت عن إدراك ما نثرت |
|
لديك كانت لك الأكوان أشراكا |
فحقيقة السمع الفهم عن الله فيما يتلوه عليك سبحانه وتعالى ، فاستمع وتأهّب لخطاب مولاك إليك ، في أي مقام كنت ، وتحفظ من الوقر والصمم ، فالصمم آفة تمنعك من إدراك تلاوته عليك ، طوبى لمن كانت له أذن واعية لما يورده الحق في خطابه ، فيتأهب لقبول ما خاطبه به ، وينظر ما حكمه عند الله الذي قرره شرعا ، فيأخذه على ذلك الحد ، ومن لم يكن له أذن واعية ، ما سمع وإن سمع داعيه ، فمن أجاب الداعي فهو صاحب السمع الواعي.
(فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ) (١٣) الصور قرن من نور.
(وَحُمِلَتِ الْأَرْضُ وَالْجِبَالُ فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً) (١٤)
وذلك في القيامة ، تصير الجبال دكا دكا لتجلي الحق ، كما اندك جبل موسى لتجلي الحق ، فتصير كالعهن المنفوش ، وتصير الجبال بهذا الدك أرضا ، فمد الأرض إنما هو مزيد امتداد الجبال وتصييرها أرضا ، فما كان منها في العلو في الجو إذا انبسط زاد في بسط الأرض ، ولهذا جاء الخبر : [إن الله يمد الأرض مد الأديم] فشبه مدها بمد الأديم ، وإذا مد الإنسان الأديم فإنه يطول من غير أن يزيد فيه شيء لم يكن في عينه ، وإنما كان فيه تقبض ونتوء ، فلما مد انبسط عن قبضه ، وفرش ذلك النتوء الذي كان فيه فزاد في سعة الأرض ، ورفع المنخفض منها حتى بسطه ، فزاد فيها ما كان من طول من سطحها إلى القاع منها كما يكون الجلد سواء.