ولما كان لجميع الموجودات عند الله قدر وحظ ، لذلك أقسم بالكل دلالة على شرفهم ، فراع حظهم عند الحق من هذا الوجه ، ولا تقل فيمن ليس من جنسك من جماد ونبات وحيوان ليس من جنسي ، بل كل من أطاع الله فهو من جنسك إن كنت طائعا ، قال تعالى :
(فَلَا أُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُونَ (٣٨) وَمَا لَا تُبْصِرُونَ) (٣٩)
وهو ما ظهر لنا ، وهو ما خفي عنا ، والظاهر هو ما أدركه الحس ، وما استتر هو مالا يدركه الحس من المعاني ، وما استتر عن الأبصار من الملائكة والجن ، وأقسم الحق هنا بالوجود والعدم ، لأن الشرف عمّ إظهارا لعلو المقسم به ، ولكن لا تشعرون ، فإن القسم عند العلماء تعظيم المقسوم به ، إذ لا يكون القسم إلا بمن له مرتبة في العظمة ، فعظّم الله بالقسم جميع العالم الموجود منه والمعدوم ، إذ كانت أشخاصه لا تتناهى ، فإنه أقسم به كله في قوله (فَلا أُقْسِمُ بِما تُبْصِرُونَ وَما لا تُبْصِرُونَ) وما لا تبصرون هو الموجود الغائب عن البصر والمعدوم ، ودخل في هذا القسم المحدث والقديم ، ويؤيد تعظيم المحدثات المقسوم بها قوله تعالى : (وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعائِرَ اللهِ) وهي محدثات (فَإِنَّها مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ) غير أنه لما علم الله عظمته في قلوب عباده موحدهم ومشركهم ومؤمنهم وكافرهم ، وقد أقسم لهم بالمحدثات وبغير نفسه ، وعلم أنه قد تقرر عندهم أنه لا يكون القسم إلا بعظيم عند المقسم ، فبالضرورة يعتقد العالم تعظيم المحدثات ، ومن صفات الحق الغيرة ، حجّر من كونه غيورا علينا أن نقسم بغيره ، مع اعتقادنا عظمة الغير بتعظيم الله ، فليس لمخلوق أن يقسم بمخلوق ، وإن أقسم بمخلوق فهو عاص ، ولا كفارة عليه إذا حنث ، وعليه التوبة مما وقع فيه لا غير ، فإن قلت : أقسم تعالى بكل معلوم من موجود ومعدوم ، فأقسم بنفسه وبجميع المعلومات ، فهل لنا أن نقسم بما أقسم الله تعالى به أو محجور علينا ذلك؟ قلنا : قد يقسم بالأمر مضافا أو مفردا ، فالمفرد : والله لأفعلن كذا ؛ والمضاف مثل قول عائشة رضي الله عنها في قسمها : ورب محمد ؛ فدخل المضاف في المضاف إليه في الذكر بالقسم ، فعلى هذا الحد يقسم الإنسان الكامل بكل معلوم ، سواء ذكر الاسم أو لم يذكره ، وهو بعض تأويلات وجوه قسم الله بالأشياء في مثل قوله تعالى (وَالشَّمْسِ وَالضُّحى) (وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ) يريد ورب الشمس ، ورب