(٧٠) سورة المعارج مكيّة
بسم الله الرحمن الرحيم
(سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ (١) لِّلْكَافِرينَ لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ (٢) مِّنَ اللَّهِ ذِي الْمَعَارِجِ (٣) تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ) (٤)
قيل في يوم القيامة إن مقداره خمسون ألف سنة لهول المطلع ، وما يرى الخلق فيه من الشدة ، وهو عند الآمنين الذين لا يحزنهم الفزع الأكبر في الامتداد كركعتي الفجر ، وأين زمان ركعتي الفجر من زمان خمسين ألف سنة ، واعلم أن للملائكة مدارج ومعارج يعرجون عليها ، ولا يعرج من الملائكة إلا من نزل ، فيكون عروجه رجوعا إلّا أن يشاء الحق تعالى ، فلا تحجير عليه ، وإنما سمي النزول من الملائكة إلينا عروجا ، والعروج إنما هو لطالب العلو ، لأن لله في كل موجود تجليا ووجها خاصا به يحفظه ، ولا سيما وقد ذكر أنه سبحانه وسعه قلب عبده المؤمن ، ولما كان للحق سبحانه صفة العلو على الإطلاق ، سواء تجلى في السفل أو في العلو ، فالعلو له ، والملائكة أعطاهم الله من العلم بجلاله بحيث إذا توجهوا من مقامهم لا يتوجهون إلا لله لا لغيره ، فلهم نظر إلى الحق في كل شيء ينزلون إليه ، فمن حيث نظرهم إلى ما ينزلون إليه يقال تتنزل الملائكة ، ومن حيث إنهم ينظرون إلى الحق سبحانه عند ذلك الأمر الذي إليه ـ وله سبحانه مرتبة العلو ـ يقال تعرج الملائكة ، فهم في نزولهم أصحاب عروج ، فنزولهم إلى الخلق عروج إلى الحق ، وإذا رجعوا منا إلى مقاماتهم يقال إنهم عرجوا بالنسبة إلينا ، وإلى كونهم يرجعون إلى الحق لعرض ما بأيديهم مما نزلوا إليه ، فكل نظر إلى الكون ممن كان فهو نزول ، وكل نظر ممّن كان إلى الحق فهو عروج ، وإذا عرج الملك عرج بذاته لأنه رجوع إلى أصله ، وإذا عرج الرسول ركب البراق فعرج به البراق بذاته ، وعرج الرسول لعروج البراق بحكم التبعية والحركة القسرية ، فكان محمولا في عروجه ، حمله من عروجه ذاتي ، فتميز عروج الرسول من عروج الملك.