(فَاصْبِرْ صَبْرًا جَمِيلًا (٥) إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيدًا (٦) وَنَرَاهُ قَرِيبًا (٧) يَوْمَ تَكُونُ السَّمَاء كَالْمُهْلِ (٨) وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ (٩) وَلَا يَسْأَلُ حَمِيمٌ حَمِيمًا (١٠) يُبَصَّرُونَهُمْ يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ (١١) وَصَاحِبَتِهِ وَأَخِيهِ (١٢) وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْويهِ (١٣) وَمَن فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ يُنجِيهِ (١٤) كَلَّا إِنَّهَا لَظَى) (١٥)
لجهنم باب يسمى لظى ، فإن الأبواب السبعة لجهنم سميت بصفات ما وراءها مما أعدت له ، ووصف الداخلون فيها بما ذكر الله تعالى فقال هنا.
(نَزَّاعَةً لِّلشَّوَى (١٦) تَدْعُو مَنْ أَدْبَرَ وَتَوَلَّى (١٧) وَجَمَعَ فَأَوْعَى (١٨) إِنَّ الْإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا) (١٩)
من حيث إنسانيته وفي أصل نشأته ، فإن النفوس الإنسانية قد جبلها الله على الجزع في أصل نشأتها ، فجبلة الإنسان تقتضي الجبن ، والشجاعة والإقدام لها عرضي والجزع في الإنسان أقوى منه في الحيوان إلا الصرصر ، تقول العرب أجبن من صرصر ، وسبب قوته في الإنسان العقل والفكر الذي ميزه الله بهما على سائر الحيوانات ، وما يشجع الإنسان إلا القوة الوهمية ، كما أنه أيضا بهذه القوة يزيد جبنا وجزعا في مواضع مخصوصة ، فإنّ الوهم سلطان قوي ، وسبب ذلك أن اللطيفة الإنسانية متولدة بين الروح الإلهي الذي هو النفس الرحماني وبين الجسم المسوى المعدل ، ثم إن الجسم الحيواني مقهور بالضعف ، قال الله عزوجل (اللهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ) فالضعف أصله فإقدامه على الأهوال العظام إنما هو بغيره لا بنفسه ، وهو ما يؤيده الله به من ذلك ، كما قال (وَأَيَّدْناهُ) والإنسان في أصل خلقه خلق هلوعا ، يخاف الفقر الذي تعطيه حقيقته ، والحيوان إذا اكتفى ماله همة في المستأنف ، والإنسان ليس كذلك ، لا يزال مهموما منهوما في الحال والاستقبال ، فيجمع ولا يشبع لأنه خلق هلوعا.