لله ، وما تبخلون به ، فإنكم تبخلون بما لا تملكون ، لكونكم فيه خلفاء ، وعلى ما بأيديكم أمناء ، فنبههم بأنهم مستخلفون فيه ، وذلك ليسهل عليهم الصدقات رحمة بهم ، يقول الله : كما أمرناكم أن تنفقوا مما أنتم مستخلفون فيه من الأموال ، أمرنا رسلنا ونوابنا فيكم أن يأخذوا من هذه الأموال التي لنا بأيديكم مقدارا معلوما سميناه زكاة ، يعود خيرها عليكم ، فما تصرف نوابنا فيما هو لكم ملك ، وإنما تصرفوا فيما أنتم فيه مستخلفون ، كما أيضا أبحنا لكم التصرف فيه ، فلماذا يصعب عليكم ، فالمؤمن لا مال له وله المال كله عاجلا وآجلا ، وفرض الله علينا زكاة أو صدقة في أموالنا ، وجعل الأموال ظرفا للصدقة ، والظرف ما هو عين المظروف ، فمال الصدقة ما هو عين مالك بل مالك ظرف له ، فما طلب الحق منك ما هو لك ، فقال (وَالَّذِينَ فِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ).
(لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ (٢٥) وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ (٢٦) وَالَّذِينَ هُم مِّنْ عَذَابِ رَبِّهِم مُّشْفِقُونَ) (٢٧)
أي من عذاب ربهم حذرون ، يقال : أشفقت منه فأنا مشفق إذا حذرته ، حذرون من عذاب ربهم غير آمنين ، يعني وقوعه بهم ، ولا يقال : أشفقت منه إلا في الحذر ، ويقال : أشفقت عليه إشفاقا من الشفقة ، والأصل واحد ، أي حذرت عليه ، لذلك قال تعالى :
(إِنَّ عَذَابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُونٍ) (٢٨)
والمشفقون من أولياء الله تعالى من خاف على نفسه من التبديل والتحويل ، فإن أمنه الله بالبشرى كان إشفاقه على خلق الله ، مثل إشفاق المرسلين على أممهم ، ومن بشّر من المؤمنين ، وهم قوم ذوو أكبد رطبة ، لهم حنان وعطف ، إذا أبصروا مخالفة الأمر الإلهي من أحد ارتعدت فرائصهم إشفاقا عليه أن ينزل به أمر من السماء ، ومن كان بهذه المثابة فالغالب على أمره أنه محفوظ في أفعاله ، فلا يتصور منه مخالفة لما تحقق به من صفة الإشفاق ، لذلك أثنى الله عليهم بأنهم مشفقون ، للتغيير الذي يقوم بنفوسهم عند رؤية الموجب لذلك.