الشمس والأرض ، فالليل ظلمة الأرض الحجابية عن انبساط نور الشمس ، والكواكب عندنا كلها مستنيرة لا تستمد من الشمس ، والقمر على أصله لا نور له البتة ، قد محا الله نوره ، وذلك النور الذي ينسب إليه هو ما يتعلق به البصر من الشمس في مرآة القمر ، على حسب مواجهة الأبصار منه ، فالقمر مجلى الشمس وليس فيه من نور الشمس لا قليل ولا كثير.
(وَاللَّهُ أَنبَتَكُم مِّنَ الْأَرْضِ نَبَاتًا) (١٧)
ليس في الأرض إلا خزائن المعادن والنبات ، لا غير ، فإن الحيوان من حيث نموه نبات. قال تعالى (وَاللهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ) فنسب الحق الإنبات إليه وإلى الأرض ، فنبتم (نَباتاً) مصدر نبت وما قال : إنباتا ؛ كذلك قال تعالى في الأجسام الإنسانية ، فأخبرنا أنا من جملة نبات الأرض ، فجاء في ذكرهم بالإنبات أنه أنبتهم ، ولم يؤكده بالمصدر ، فإن مصدر أنبت إنما هو إنبات ، وجاء بمصدر آخر ليعرف بأنهم نبتوا حين أنبتهم ، فأضاف النبات إلى الشيء الذي ينمو لأن الغذاء سبب في وجود النبات وبه ينمو ، فعبر عن نموه وظهور الزيادة فيه بقوله (نَباتاً) أي جعل غذاءكم منها ، أي مما تنبته فتنبتون به ، أي تنمي أجسامكم وتزيد ، ومن وجه آخر أوقع الحق الاشتراك بينه وبينهم في الخلق أنه لو لا استعدادهم للإنبات ما نبتوا ، لأن نباتا مصدر نبت لا مصدر أنبت ، فإن مصدر أنبت هو إنبات ، فانظروا ما أعجب مساق القرآن وإبراز الحقائق ، إذ لا ينفذ الاقتدار الإلهي إلا فيمن هو على استعداد النفوذ فيه ، ولا يكون ذلك إلا في الممكنات ، إذ لا نفوذ له في الواجب الوجود ، ولا في المحال ، وهنا نسب الحق ظهور النبات إلى النبات ، وفي النبات سر برزخي لا يكون في غيره ، فإنه عالم وسط بين المعدن والحيوان ، فله حكم البرازخ ، لأنه يعطيك العلم بذاته وبغيره ، وغير البرزخ يعطيك العلم بذاته لا غير ، لأن البرزخ مرآة للطرفين ، فمن أبصره أبصر فيه الطرفين ، لابد من ذلك ـ فائدة ـ يقول بعض العلماء بما تفعله الأزمان في الأجسام الطبيعية : تعرضوا لهواء الربيع ، فإنه يفعل بأبدانكم كما يفعل في أشجاركم ، وتحفظوا من هواء الخريف ، فإنه يفعل بأبدانكم كما يفعل في أشجاركم ، فقد نص الله تعالى على أننا من جملة نبات الأرض فقال (وَاللهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَباتاً) أراد فنبتم نباتا.