رَّبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا) (٢٦)
وذلك لغلبة الغيرة على نوح عليهالسلام ، واستعجاله ، لكون الإنسان خلق عجولا.
(إِنَّكَ إِن تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا (٢٧) رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَن دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا تَبَارًا) (٢٨)
لا أحد أعظم من الوالدين وأكبر بعد الرسل حقا منهما على المؤمن ، ومع هذا أمر الداعي أن يقدم في الدعاء نفسه على والديه ، وذلك أولا مراعاة لحقها ، فهي أقرب جار إليه ، والسر الآخر أنّ الداعي لغيره يحصل في نفسه افتقار غيره إليه ، ويذهل عن افتقاره ، فربما يدخله زهو وعجب بنفسه لذاك ، وهو داء عظيم ، فأمره رسول الله صلىاللهعليهوسلم أن يبدأ لنفسه بالدعاء ، فتحصل له صفة الافتقار في حق نفسه ، فتزيل عنه صفة الافتقار صفة العجب والمنة على الغير ، وفي إثر ذلك يدعو للغير على افتقار وطهارة ، فلهذا ينبغي للعبد أن يبدأ بنفسه في الدعاء ، ثم يدعو لغيره ، فإنه أقرب إلى الإجابة ، لأنه أخلص في الاضطرار والعبودية ، قال الخليل عليهالسلام في دعائه (وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ) فقدم نفسه (رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي) وقال نوح عليهالسلام (رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوالِدَيَّ) فبدأ بنفسه (وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِناً وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ) وهو عليهالسلام من الكمل ، ولم يقل كما قالت الملائكة (وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ) فكأنه أبقى شيئا ، فإنه ما طلب المغفرة إلا للمؤمن ، ولم يذكر اتباع سبيل الله ، لأن المؤمن قد يكون مخالفا أمر الله ونهيه ، والله يقول للمسرفين على أنفسهم (إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً وَلا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا تَباراً) :
دعا قومه نوح ليغفر ربهم |
|
لهم فأجابوه لما كان قد دعا |
أجابوا بأحوال فغطوا ثيابهم |
|
لسر بستر والسميع الذي وعى |
ولو أنهم نادوا ليكشف عنهمو |
|
غطاء العمى ما ارتد شخص ولا سعى |