(وَأَنْ لَوِ اسْتَقامُوا) في الحركات والسكنات (عَلَى الطَّرِيقَةِ) المشروعة ، والصراط المستقيم هو الشرع الإلهي ، والإيمان بالله رأس هذا الطريق ، وشعب الإيمان منازل هذا الطريق ، الذي بين أوله وغايته ، وما بين المنزلين أحواله وأحكامه (لَأَسْقَيْناهُمْ ماءً غَدَقاً) لما كان الماء أصلا في كل حي حياته عرضية ، كان من استقام سقاه الله ماء الحياة ، فإن كان سقي عناية كالأنبياء والرسل حيي به من شاء الله ، وإن كان سقي ابتلاء لما فيه من الدعوى كان بحكم ما أريد بسقيه. وطلب الاستقامة من المكلف هو القيام بفرائض الله عليه ، لذلك قال تعالى :
(لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَمَن يُعْرِضْ عَن ذِكْرِ رَبِّهِ يَسْلُكْهُ عَذَابًا صَعَدًا) (١٧)
(لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ) فهذا سقي ابتلاء.
(وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا) (١٨)
فإن الله مع الخلق ما الخلق مع الله ، لأنه يعلمهم فهو معهم أينما كانوا ، في ظرفية أمكنتهم وأزمانهم وأحوالهم ، ما الخلق معه تعالى جل جلاله ، فإن الخلق لا تعرفه حتى تكون معه ، فمن دعا الله مع الخلق ما هو كمن دعا الخلق مع الله ؛ فلا تدعوا مع الله أحدا ، ولا يصح السجود إلى غير الله ، فالسجود على الحقيقة لله ، فمن سجد لغير الله عن أمر الله قربة إلى الله طاعة لله فقد سعد ونجا ، ومن سجد لغير الله عن غير أمر الله قربة إلى الله فقد شقي.
(وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا) (١٩)
(وَأَنَّهُ لَمَّا قامَ عَبْدُ اللهِ) يعني محمدا صلىاللهعليهوسلم فأضافه إليه صفة ، أي صفته العبودية ، فشهد الله تعالى لرسول الله صلىاللهعليهوسلم أنه عبد كامل العبودية ، فإنه لم يتحقق بهذا المقام على كماله مثل رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فكان عبدا محضا زاهدا في جميع الأحوال التي تخرجه عن مرتبة العبودية ، فشهد الله له بأنه عبد مضاف إليه من حيث هويته واسمه الجامع ، فقال في حق اسمه (وَأَنَّهُ لَمَّا قامَ عَبْدُ اللهِ يَدْعُوهُ) وقال في حق هويته (سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ) فأسرى به عبدا ،