حَقَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ أَصْحَابُ النَّارِ (٦) الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَّحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ (٧) رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدتَّهُم وَمَن صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) (٨)
(الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا) هؤلاء الملائكة من ملائكة التسخير ، أثنى الله عليهم بأنهم يسبحون بحمد ربهم استفتاحا إيثارا لجناب الله ، ثم بعد ذلك يستغفرون ، وهو الذي يليق بهم تقديم جناب الله ، فسخرهم الله لنصرة المؤمنين إذا أذنبوا وتوجهت عليهم أسماء الانتقام الإلهية ، وتوجهت في مقامات تلك الأسماء أسماء الغفران والعفو والتجاوز عن السيئات ، فتقول الملائكة ـ كما أخبرنا الله بقوله : (هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ) أيضا تصلي عليكم بما شرع لها من ذلك ـ مستغفرة في حق المؤمن العاصي غير التائب (رَبَّنا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْماً) إتكالا على علم الله فيما قصدوه من ذلك الكلام ، أدبا مع الله سبحانه ، حيث أنه استحق جناب الله أن يغار من أجله ، ويدعى على من عصاه ولم يقم بأمره وما ينبغي لجلاله ، فإن الملائكة أهل أدب مع الله فقالوا : (رَبَّنا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْماً) بقولك (وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ) وهؤلاء العصاة من الداخلين في عموم لفظة [كل] فقام هذا الصنف من الملائكة في مقام الأدب ، الذي حكم عليهم بهذا القول إيثارا للجناب الإلهي على الخلق ، ولهذا قدموا وأخروا فيما أخبر الله عنهم في قوله (رَبَّنا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْماً) وأخروا أيضا قولهم (وَقِهِمُ السَّيِّئاتِ) وفيه روائح طلب المغفرة للمسيئين ، لأن الله ما علق المغفرة إلا بالذنب ، حيث علّقها ، وقدمت الملائكة الرحمة على العلم لأنه تعالى أحب أن يعرف وقال (وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ) وأما قولهم [علما] فمن قوله تعالى (أَحاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً) وهذا تعريض تنبيه على أن الحق بهذه المثابة ، كما أخبر عن نفسه ، وقدمت ذكر الرحمة على العلم في دعائها لموضع حاجة العباد إليها ، وأدبا مع الله ، فإن الله قدمها في العطاء على العلم ، فقال لما ذكر عبده خضر : (آتَيْناهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنا) قدمت