(إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْءًا وَأَقْوَمُ قِيلًا) (٦)
كان صلىاللهعليهوسلم ينشىء في الليل بما وفقه الله إليه من العمل الصالح الذي شرعه له صورا عملية ليلية ، ولم تكن هذه الصور إلا الصلاة بالليل دون سائر الأعمال ، وفيها يقرأ القرآن ، ولذلك قال (أَشَدُّ وَطْئاً) أي أعظم تمهيدا ، لأنه قال (ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْءٍ) وليس إلا القرآن الجامع ، وأشد ثباتا ، فإنه لا ينسخ كما نسخت سائر الكتب قبله به ، وإن ثبت ما ثبت منها مما ورد في القرآن ، ولهذا جاء بلفظة المفاضلة في الثبوت ، فهو أشد ثبوتا منها لاتصاله بالقيامة ، وفيه ما في الكتب وما ليس في الكتب ، ثم قال عن هذا العمل المنشأء (وَأَقْوَمُ قِيلاً) ولا أقوم قيلا من القرآن ، وإن كان القيل الإلهي كله قويما ، فإن الاستقامة سارية في الأقوال ، كما هي سارية في الجواهر والأعراض والأحوال ، ولكن فيه قويم وأقوم بالنسبة إلينا ، مثل قوله تعالى (فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ) هذا من أقوم القيل ، فإنه ما من شيء يكون فيه كثرة لأمثال إلا ولابد فيه من التفاضل حتما ، فالقرآن أقوم قيلا ، وهو الحاوي على كل شيء أوتيناه وأهدى سبيلا :
نواشىء الليل فيها الخير أجمعه |
|
فيها النزول من الرحمن بالكرم |
يدنو إلينا بنا حتى يساعدنا |
|
بما يدليه من طرائف الحكم |
فالكل يعبده والكل يشكره |
|
إلا الذي خص بالخسران والنقم |
إن الولي تراه وقت غفلته |
|
يبكي ويدعوه في داج من الظلم |
يا رب يا رب لا يبغي به بدلا |
|
خلقا عظيما كما قد جاء في القلم |
وفي إنشاء هذه الصور العملية يستعين صلىاللهعليهوسلم وورثته من بعده بالله لإحيائها ـ حياة تقع بها الفائدة ـ وإنشائها على الشهود ، وهو قوله تعالى (إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كانَ مَشْهُوداً). ـ رقيقة ـ من كان خلقه القرآن من ورثته صلىاللهعليهوسلم وأنشأ صورة الأعمال في ليل طبيعته فقد بعث محمدا صلىاللهعليهوسلم من قبره ، فحياة رسول الله صلىاللهعليهوسلم بعد موته حياة سنّته ، ومن أحياه فكأنما أحيا الناس جميعا.
(إِنَّ لَكَ فِي اَلنَّهَارِ سَبْحًا طَوِيلًا) (٧)