سبحا أي فراغا لمعاشك ، وأمرنا بالتسبيح آناء الليل وأطراف النهار ، وما تعرض لذكر النهار في هذا الحكم ، فالنهار لك والليل له ، فإذا كنت له في الليل وأطراف النهار كان لك هو في النهار.
(وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا) (٨)
التبتل الانقطاع عما سوى الله تعالى ، ومنه فاطمة البتول :
يا من إليه تضرعي |
|
كم ذا تريد تمنعي |
كم ذا طلبت وصالكم |
|
بتبتل وتخشع |
(رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلًا) (٩)
(رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ). ـ إشارة ـ إلى التصرف في الجهات ، وما ذكر منها إلا المشرق وهو الظاهر ، والمغرب وهو الباطن ، وبالعين الواحدة التي هي الشمس إذا طلعت أحدثت اسم المشرق ، وإذا غربت أحدثت اسم المغرب ، والإنسان ظاهر وباطن (لا إِلهَ إِلَّا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلاً) في ظاهرك وباطنك ، فإنه رب المشرق والمغرب ، وبهذا الاسم في قوله تعالى (وَكِيلاً) ثبت الملك والملك للخلق ، فإنا ما وكلناه إلا في التصرف في أمورنا فيما هو لنا ، لعلمنا بكمال علمه فينا ، فإنه يعلم منا ما لا نعلمه من نفوسنا ، والوكيل بلا شك خليفة الموكل فيما وكله فيه ، فكونه إلها ما هو كونه وكيلا ، ومن هذه الحقيقة قال صلىاللهعليهوسلم [اللهم أنت الصاحب في السفر والخليفة في الأهل] فأمر الله العبد بأن يتخذه وكيلا بعد أن ملّكه جميع ما خلقه له من منافعه ، ليتفرغ الإنسان لما خلق له من عبادة ربه ، ولا تعارض بين ذلك وبين قوله تعالى (وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ) فجعل الإنفاق بيد العبد والملك لله ، وفي هذا القدر الذي أمرهم به من الإنفاق فيه ، أمرهم أن يتخذوه وكيلا ، فلا تنافي بين المقامين ، فالملك لله والإنفاق للعبد بحيث الأمر ، وما أطلق له في ذلك ، وفي الإنفاق أمر الله أن يوكل الله في ذلك ، لعلمه بمواضع الإنفاق والمصارف التي ترضي رب المال في الإنفاق ، فنزلت الشرائع أبانت له مصارف المال ، فأنفق على بصيرة بنظر الوكيل ، فمن أنفق فيما لم يأمره الوكيل بالإنفاق فيه ، فعلى المنفق قيمة ما استهلك من مال