من كل ما يصيبه ، حتى إنّه لو كان مما يصيبه السفر والانتقال ، لنقله الحق بهذه الصفة التي هو عليها من السكون في محفة عناية إلهية ، لا يعرف الحركة المتعبة ، مستريحا مظللا عليه مخدوما ، والتوكل اعتماد القلب على الله تعالى ، مع عدم الاضطراب عند فقد الأسباب الموضوعة في العالم التي من شأن النفوس أن تركن إليها ، فإن اضطرب فليس بمتوكل ، وهو من صفات المؤمنين ، فالمؤمن العالم يتخذ الله وكيلا يسلم إليه أموره ، ويجعل زمامها بيده ، فهو أعلم بما يصلح له ، ونبه تعالى بهذا الأمر أنه لا ينبغي الوكالة إلا لمن هو إله ، لأنه عالم بالمصالح إذ هو خالقها ، فاتخاذه تعالى وكيلا إنما هو في المصلحة لنا لا في عين الأشياء ، فالعبد يتخذ الله وكيلا نائبا عنه فيما ملّكه إياه ، شكرا على ما أولاه ، والذين اتخذوه وكيلا صاروا أمواتا بين يديه ، فصاروا كالميت بين يدي الغاسل ، ولهذا أعطاهم صفة التقديس وهي الطهارة ـ إشارة ـ العجب ممّن اتخذ مستخلفه وكيلا ، فلو لا الأمر الرباني ، لرده الأدب الكياني ، فإنه ليس للعبد من الجرأة أن يوكل سيده ، فلما تبرع بذلك لعباده ، ونزل إليهم من كبريائه بلطفه الخفي ، اتخذوه وكيلا ، وأورثهم هذا النزول إدلالا ، كما أنه لو لا أن الحق أعطى العبد الاستقلال بالخلافة ما قال له عن نفسه تعالى آمرا (فَاتَّخِذْهُ وَكِيلاً) ولا قال له صلىاللهعليهوسلم [أنت الخليفة في الأهل والصاحب في السفر] وهو صلىاللهعليهوسلم القائل [إن الله أدبني فأحسن أدبي] ـ شعر :
أنا صاحب الملك الذي قال إنني |
|
أنا نائب فيه بأصدق قيل |
ولو لم يكن ملكي لما صح أن أرى |
|
موكله والحق فيه وكيلي |
وعن أمرنا كانت وكالتنا له |
|
وبرهان دعواي وعين دليلي |
كتاب له حق وفيه اعترافه |
|
بما قلت فيه فالسبيل سبيلي |
يقول بأضداد الأمور وجوده |
|
فقد حرت فيه وهو خير جليل |
عجبت له من غائب وهو حاضر |
|
بتنفيذ أخبار وبعث رسول |
إلى من؟ وإن العين عين وجوده |
|
وممن؟ فقد حرنا فكيف وصولي |
إلى منزل ما فيه عين غريبة |
|
ولا حيرة فيها شفاء غليل |
يقول الشيخ الأكبر رضي الله عنه : خاطبني الحق في سري ، من اتخذني وكيلا فقد ولاني ، ومن ولاني فله مطالبتي وعليّ إقامة الحساب فيما ولاني فيه ، يقول الشيخ رضي