لم يكن كذلك لالتحق المهلك بالهالك ، فقد بانت الرتب ، وعرفت النسب ، وثبتت حقيقة السبب ، جعلنا الله وإياكم ممن شاهد محركه فكبر ، فتجلى له ما هو أكبر ـ راجع سورة العنكبوت آية ٤٥.
(وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ) (٤)
قيل في تفسيره إنه أمر بتقصير ثيابه ، يقول عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه في هذا المعنى :
تقصيرك الثوب حقا |
|
أنقى وأبقى وأتقى |
ـ إشارة لا تفسير ـ الثوب في الاعتبار القلب ، وهو أن يطهر العبد قلبه ، وطهارته هو البراءة من نفسه ورد الأمر كله إلى الله ، فإن الله يقول (وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ) فيا أيّها العقل طهّر ثوب سرك ، وبقعة قلبك لتجلي ربّك ، فإنّ سرّ الطهارة معقول ، كما أنّ فعلها منقول. ويا أيّها الحسّ طهّر ثوبك بالتقصير ، فإنّ الفائزين أهل التشمير ، وطهّر بقعتك النفيسة من عالم التخليط ، فإنك من عالم التخطيط ، عسى يفيض عليك شيء من العالم البسيط ، فإن فاض عليك منه شيء فهو نور أنت فيؤه ، وعود أنت بدؤه ، وظهور أنت خبؤه ، فلو لا ظهورك ما سرى إليك نوره فيك ، وبفيضه عليك وحاجتك إليه تعزّز ، فاعرف قدرك وقدره ، وتحقّق شمسه وبدره ، وأشرقت الأرض بنور ربها ، وذلك النور طهور تربها.
(وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ (٥) وَلَا تَمْنُن تَسْتَكْثِرُ) (٦)
إن الله يمن على عباده بما يمتن عليهم من المنن الجسام ، ولذا سميت مننا ، وليس للعباد أن يمتنوا ، لأن النعم ليست إلا لمن خلقها ، فلهذا كان المن من الله محمودا ، لأنه ينبه عباده بما أنعم عليهم ليرجعوا إليه ، وكان مذموما من العباد لأنه كذب محض.
(وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ (٧) فَإِذَا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ) (٨)