إن النفوس ما تنبعث وتهتز إلا للآيات الخارقة للعادة ، والآيات الإلهية منها معتاد وغير معتاد ، والقرآن قد ورد في الآيات المعتادة كثير في قوله (وَمِنْ آياتِهِ) (وَمِنْ آياتِهِ) ويذكر أمورا معتادة ثم يقول : (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ) ولكن لا ترفع العامة بها رأسا لجري العادة ، واستيلاء الغفلة ، وعدم الحضور. والكسوف آية من آيات الله يخوف الله به عباده ، وسبب كسوف الشمس والقمر معروف ، وقد جعل الله الكسوف آية على ما يريد أن يحدثه من الكوائن في العالم العنصري ، وفي العالم الذي يظهر فيه الكسوف وفي الزمان ، فإنه قد يكسف ليلا ، ويكون الحدث أيضا بحسب البرج الذي يقع الكسوف فيه ، وهو علم قطعي ، أعني علم وقوع الكسوف ، لا علم ما يحدث الله فيه أو عنده ، ويكون الكسوف في مكان أكثر منه في مكان آخر ، وفي مكان دون مكان ، ويبتدىء في مكان وفي مكان آخر ما ابتدأ ، بل هو على حاله ، وهذا كله يعرفه العلماء به ، فإنه راجع إلى حركات معلومة معدودة عند أهل هذا الشأن ، وسبب كسوف الشمس من القمر إذا كان في مسامتتها ، فعلى قدر ما يسامتها منه يغيب منها عن أبصارنا ، فذلك الظل الذي نراه في الشمس هو من جرم القمر ، وقد يحجبها كلها فيظلم الجو ، فيقع الإبصار على جرم القمر ، فتتخيل العامة أن ذلك المرئي هو ذات الشمس ، والشمس نيرة في ذاتها على عادتها إلى أن يشاء الله تكويرها ، ولذلك يعرف زمان كسوفها ومقداره عند العارفين بتسيير الكواكب ، ولا يكون أبدا إلا في آخر الشهر العربي ، فإن القمر في ذلك الزمان يكون في المحاق والاحتراق تحت الشعاع ، فإن أعطى الحساب ما يؤدي إلى المسامتة عندنا وقع الكسوف بلا شك. وكذلك كسوف القمر إنما هو أن يحول ظل الأرض بينه وبين الشمس ، فعلى قدر ما يحول بينهما يكون الكسوف في ذلك الموضع ، ولهذا يعرف ، والخطأ فيه قليل جدا ، ولو لم يكن الأمر على هذا ما علم ، فإن الأمور العوارض لا تعلم إلا بإعلام الله على لسان من شاء من عباده ، والأمور جارية على أصولها ثابتة لا تنخرم ، يعلمها العالم بتلك الأصول ، وهي معتادة موضوعة لله تعالى واضعها ، ما هي عقلية ، ولا سبب ذلك طبيعي ، ولهذا يجوز خرق العادة فيها ، وهكذا كل موضوع إلى أن يخرم الله ذلك الأصل ، فلله المشيئة في ذلك. فالكسوف لا يكون إلا عند الكمال في النيرين في القمر ليلة بدره ، وكسوف الشمس في ثمانية وعشرين يوما من سير القمر في جميع منازل الفلك. ولا يكون للكسوفات حكم في الأرض إلا في