الوجه الأول ـ هو اجتماع أمر الدنيا والآخرة ، أي دخلت الأهوال والأمور العظام بعضها في بعض يوم القيامة فالتف أمر الدنيا بأمر الآخرة ـ الوجه الثاني : الخلق كله مرتبط بالله ارتباط ممكن بواجب ، سواء عدم أو وجد ، وسعد أو شقي ، والحق من حيث أسماؤه مرتبط بالخلق ، فإن الأسماء الإلهية تطلب العالم طلبا ذاتيا ، فالتفت الساق بالساق ، أي التف أمرنا بأمره وانعقد ، فهو التفاف فلا ننحل عن عقده أبدا ، ويوضح المعنى أنه تمم وهو الصادق.
(إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَسَاقُ) (٣٠)
(إِلى رَبِّكَ) أثبت وجود رتبته بك (يَوْمَئِذٍ) يعني يوم يكشف عن الساق ، وأتى بالاسم الرب ومعناه الثابت والمصلح والمربي والسيد والمالك ، ولكل من ذلك معنى في هذه الآية (الْمَساقُ) رجوع الكل إليه من سعد أو من شقي ، أو من تعب أو من استراح ، فمن حيث أنه الثابت يعطي الثبات ، والأمر ملتف بالأمر ، وإلى الرب المساق ، فلابد من ثبات هذا الالتفاف في الدار الآخرة ، فعين أمر الدنيا عين أمر الآخرة ، غير أن موطن الآخرة لا يشبه موطن الدنيا لما في الآخرة من التخليص القائم بوجود الدارين ، فوقع التمييز بالدار ، والكل آخرة ، فلا تزال الناس في الآخرة ينتقلون بالأحوال كما كانوا في الدنيا ينتقلون بالأحوال ، والأعيان ثابتة ، فإن الرب يحفظها ـ الوجه الثاني ـ لما كان إلى ربك يومئذ المساق ، والرب المصلح ، فإن الله يصلح بين عباده يوم القيامة ، هكذا جاء في الخبر النبوي ، والكريم إذا كان من شأنه أن يصلح بين عباده بمثل هذا الصلح الوارد في الخبر حتى يسقط المظلوم حقه ، ويعفو عن أخيه ، فالله أولى بهذه الصفة من العبد في ترك المؤاخذة بحقوقه من عباده ، فيعاقب من شاء بظلم الغير لا بحقه المختص به ـ الوجه الثالث ـ الرب أيضا المغذي والمربي فهو يربي عباده ، والمربي من شأنه إصلاح حال من يربيه ، فمن التربية ما يقع بها الألم كمن يضرب ولده ليؤدبه ، وذلك من جملة تربيته وطلب المصلحة في حقه لينفعه ذلك في موطنه ، كذلك حدود الله تربية لعباده حيث أقامها الله عليهم ، فهو يربيهم بها لسعادة لهم في ذلك من حيث لا يشعرون ، كما لا يشعر الصغير بضرب من يربيه إياه ـ الوجه الرابع ـ والرب أيضا : السيد ، والسيد أشفق على عبده من العبد على نفسه ،