(وَالْجِبَالَ أَوْتَادًا) (٧)
فإنه بالجبال سكن ميد الأرض ، لما تحركت من خشية الله ، آمنها الله بالجبال التي جعلها الله أوتادها ، فهي مسكنة لكونها متمكنة ، فلها الرسوخ والشموخ ، ومع هذه العزة والمنع ، وقوة الردع والدفع ، فلابد من صيرورتها عهنا منفوشا ، وهباء منبثا مفروشا ، فتلحق بالأرض لاندكاكها ـ تفسير من باب الإشارة ـ صليت مع شيخي أبي جعفر أحمد العريبي في دار وليي وصفيي أبي عبد الله محمد الخياط المعروف بالعصاد وأخيه أبي العباس أحمد الحريري ، فقرأ الإمام (عَمَّ يَتَساءَلُونَ) فلما وصل إلى قوله تعالى (أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهاداً وَالْجِبالَ أَوْتاداً) غبت عن قراءة الإمام ، وما سمعت شيئا ، ورأيت شيخنا أبا جعفر وهو يقول : المهاد العالم والأوتاد المؤمنون والمهاد المؤمنون والأوتاد العارفون ، والمهاد العارفون والأوتاد النبيون ، والمهاد النبيون والأوتاد المرسلون ، وذكر من الحقائق ما شاء الله أن يذكر ، فرددت إليّ والإمام يقرأ (وَقالَ صَواباً ذلِكَ الْيَوْمُ الْحَقُّ) فلما فرغنا من الصلاة سألته فوجدته قد خطر له في تلك الآية ما شهدته.
(وَخَلَقْنَاكُمْ أَزْوَاجًا (٨) وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتًا) (٩)
النوم برزخ ، والبرازخ موطن الراحات ، ولذلك جعل الله النوم سباتا أي راحة ، لأنه بين الضدين الموت والحياة ، فالنائم لا حي ولا ميت ، ولذلك قال تعالى (وَجَعَلْنا نَوْمَكُمْ سُباتاً) يقول : وجعل النوم لكم راحة تستريح به النفوس لأجل التعب الذي كانت عليه هذه النشأة في حال اليقظة من الحركة ، وإن كان في هواها ، والنوم على قسمين : قسم انتقال وفيه بعض راحة ، أو نيل غرض ، أو زيادة تعب ، والقسم الآخر قسم راحة خاصة ، وهو النوم الخالص الصحيح ، الذي ذكر الله أنه جعله راحة لما تعبت فيه هذه الآلات والجوارح والأعضاء البدنية حال اليقظة ، وجعل زمانه الليل وإن وقع بالنهار ، كما جعل النهار للمعاش وإن وقع بالليل ، ولكن الحكم للغالب ، فالنوم راحة بلا شك ، وهو بالليل أقوى ، فإنه فيه أشد استغراقا من نوم النهار ، وأما قسم الانتقال فهو النوم الذي يكون معه الرؤيا ، فتنتقل هذه الآلات من ظاهر الحس إلى باطنه ، ليرى ما تقرر في خزانة الخيال ، الذي رفعت