يريد أنه ما في السماء إله غيري ، فانظر إلى من خذله الله كيف اعتز على أمثاله بهذا القول ، هل جعله في ذلك إلا علمه بمرتبته لا علمه بنفسه؟ فالإنسان عبد عينا ورتبة ، كما هو سيد عينا لا رتبة ، ولهذا إذا ادعى الرتبة قصم ، وحرم ، وإذا ادعى العين عصم ، ورحم.
(فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكَالَ الْآخِرَةِ وَالْأُولَى) (٢٥)
النكال في اللسان : هو القيد ، ـ الوجه الأول ـ الأولى هي قوله (ما عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرِي) والآخرة وهي كلمة (أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى) ـ الوجه الثاني ـ على اعتبار صحة إيمان فرعون في علم الله (فَأَخَذَهُ اللهُ نَكالَ الْآخِرَةِ وَالْأُولى) النكل القيد ، لما رأى فرعون ما عند موسى وهارون عليهماالسلام من اللين في الخطاب ، رق لهما ، وسرت الرحمة الإلهية بالعناية الربانية في باطنه ، فعلم أن الذي أرسلا به هو الحق ، فقيده الله بعبوديته مع ربه في الأولى بعلمه أنه عبد الله ، وفي الآخرة إذا بعثه الله يبعثه على ما مات عليه من الإيمان به علما وقولا ، وليس بعد شهادة الله شهادة ، وقد شهد له أنه قيده في الأولى والآخرة.
(إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِّمَن يَخْشَى) (٢٦)
ـ الوجه الأول ـ (إِنَّ فِي ذلِكَ) أي في هذا الأخذ (لَعِبْرَةً) أي تعجبا وتجاوزا مما يسبق منه إلى فهم العامة إلى ما فيه مما يفهمه الخاصة من عباد الله وهم العلماء ، ولذلك قال (لِمَنْ يَخْشى) وقد عرّفنا أنه إنما يخشى الله من عباده العلماء ، وقد قال تعالى (لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشى) ولا يخشى حتى يعلم بالتذكّر ما كان نسيه من العلم بالله ، ومن قيده الحق فلا يتمكن له الإطلاق والسراح من ذلك القيد ـ الوجه الثاني ـ (إِنَّ فِي ذلِكَ لَعِبْرَةً لِمَنْ يَخْشى) العبرة في ذلك للعالم ، فيعتبر العالم كما أخبر الله من أين أخذ فرعون ، فإن الله سبحانه هو الأعلى حقيقة ، فهو ربنا الأعلى ، وادعى هذه الصفة فرعون وما لبسها قط عند نفسه ، ففي قوله «في ذا» إشارة إلى ما تقدم في القصة والذي تقدم قوله (أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى) ، وأخذ الله له نكال الآخرة والأولى أي هذه الدعوى أوجبت هذا الأخذ ، وأن الصفة طلبت موصوفها وهو الله ، وبقي فرعون عريا عنها ، فلم يكن له من يحميه عن الأخذ ، فإن الصفة تطلب