موصوفها ، فإنه لا يقبلها إلا من هي له ، فإذا تضمن الكلام صفة لا تنبغي إلا للعبد فالعبد صاحبها وإن وصف الحق بها نفسه ، وإذا تضمن الكلام صفة لا تنبغي إلا لله فالله صاحبها وإن وصف العبد بها نفسه ـ الوجه الثالث ـ رحمة الله أوسع من حيث أن لا يقبل إيمان المضطر ، وأي اضطرار أعظم من اضطرار فرعون في حال الغرق ، والله يقول (أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذا دَعاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ) فقرن للمضطر إذا دعاه الإجابة وكشف السوء عنه ، وهذا آمن لله خالصا ، وما دعاه في البقاء في الحياة الدنيا ، خوفا من العوارض أو يحال بينه وبين هذا الإخلاص الذي جاءه في هذه الحال ، فرجح جانب لقاء الله على البقاء بالتلفظ بالإيمان ، وجعل ذلك الغرق (نَكالَ الْآخِرَةِ وَالْأُولى) فلم يكن عذابه أكثر من غم الماء الأجاج ، وقبضه على أحسن صفة ، هذا ما يعطي ظاهر اللفظ ، وهذا معنى قوله (إِنَّ فِي ذلِكَ لَعِبْرَةً لِمَنْ يَخْشى) يعني في أخذه نكال الآخرة والأولى ، وقدم ذكر الآخرة وأخر الأولى ، ليعلم أن العذاب أعني عذاب الغرق هو نكال الآخرة ، فلذلك قدمها في الذكر على الأولى ، وهذا هو الفضل العظيم.
(أَأَنتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَاء بَنَاهَا) (٢٧) وذكر ما يختص بالسماء فقال.
(رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا (٢٨) وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا) (٢٩)
ثم ذكر الأرض ودحيها وما يختص بها فقال :
(وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا (٣٠) وذلك في معرض التفضيل على الإنسان.
أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءهَا وَمَرْعَاهَا (٣١) وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا (٣٢) مَتَاعًا لَّكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ (٣٣) فَإِذَا جَاءتِ الطَّامَّةُ الْكُبْرَى (٣٤) يَوْمَ يَتَذَكَّرُ الْإِنسَانُ مَا سَعَى (٣٥) وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِمَن يَرَى (٣٦) فَأَمَّا مَن طَغَى (٣٧) وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (٣٨) فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى (٣٩) وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى) (٤٠)