العقاب ، ذهل وتحير ، وهذا مما يدل على أن إرادة الحق بالناس السعادة في المآل ، ولو نالهم ما نالهم مما يناقضها ، فإن الحق لم يخص شخصا من شخص ، بل الظاهر أنه يريد من خالف أمره وعصاه مطلقا لا من أطاعه ، فنبه الغافل عن صفة الحق التي هي كرمه ، فإنه من كرمه أوجده ، ليقول له العبد : يا رب كرمك غرني ؛ فقد يقولها لبعض الناس هنا في خاطره وفي تدبره عند التلاوة ، فيكون سبب توبته ، وقد يقولها في حشره ، وقد يقولها له وهو في جهنم ، فتكون سببا في نعيمه حيث كان ، فإنه ما يقولها له إلا في الوقت الذي قد شاء أن يعامله بصفة الكرم والجود ، فإن رحمته سبقت غضبه.
(الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ) (٧)
(الَّذِي خَلَقَكَ) وهو ما ذكره في التفصيل من التقلب في الأطوار (فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ) وهي هذه النشأة الظاهرة ، والتسوية هي الاعتدال في الشيء ، فقال تعالى (فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ) يمتن بذلك على الإنسان ، فسواه بخلقه بيديه ، وعدله وهو التهيؤ والاستعداد للتركيب والحمل ، ولم يذكر في غير نشأة الإنسان قط تسوية ولا تعديلا ، وإن كان قد جاء (الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى) فقد يعني خلق الإنسان ، لأن التسوية والتعديل لا يكونان معا إلا للإنسان ، ولم يكن ذلك لغيره من المخلوقين من العناصر ، ثم قال له بعد ذلك.
(فِي أَيِّ صُورَةٍ مَّا شَاء رَكَّبَكَ) (٨)
قد يعني قوله تعالى (ثُمَّ أَنْشَأْناهُ خَلْقاً آخَرَ) أو سواه وعدله على مزاج يقبل كل صورة إذا شاء الحق ، وجعل التركيب لله لا له ، فهذه النشأة المسواة المعدلة قابلة لجميع الصور ، في أي صورة من صور الأكوان ما شاء ركبك ، ـ ومن باب الإشارة ـ في أي صورة من صور التجلي ، ما شاء ركبك في المعارف ، فأعلمنا أن هذه النشأة تعطي القبول لأي صورة كانت ، وهذا يعرفه ذوقا من اختصه الله من عباده بالتشكل في حضرة الغيب والشهادة والخيال ، فإذا فتح له فيه ظهر في عالم الشهادة في أي صورة من صور عالم الشهادة ، وظهر في عالم الغيب والملكوت في أي صورة من صوره شاء ، فلو لا قبولك عند