(كِرَامًا كَاتِبِينَ) (١١)
ورد في الحديث أن الملائكة ـ وهم المذكورون في هذه الآية ـ تقول : ذاك عبدك فلان يريد أن يعمل سيئة ، وهو أبصر به ، فيقول الحق لهم : ارقبوه ، فإن عملها فاكتبوها له بمثلها ، وإن تركها فاكتبوها له حسنة ، إنما تركها من جرائي ، أي من أجلي ، فأعطتهم المرتبة والتولية أن يتكلموا بما تكلموا به ، فلهم كتابة الحسن من غير تعريف ، بما تقدم الله إليهم به في ذلك ، ويتكلمون في السيئة لما يعلمونه من فضل الله وتجاوزه ، ولو لا ما تكلموا في ذلك ما عرفنا ما هو الأمر فيه عند الله ، فكلامهم عليهمالسلام تعليم ورحمة ، وإن كان ظاهره ما يسبق إلى الأفهام القاصرة ، فكن نعم الجليس للملك القرين الموكل بك ، وأصغ إليه واحذر من الجليس الثاني الذي هو الشيطان ، ولا تنصر الشيطان على الملك بقبولك منه ما يأمرك به ، واخذله ، واستعن بقبولك من الملك ، وأكرم جلساءك من الملائكة الكرام الكاتبين الحافظين عليك ، فلا تمل عليهم إلا خيرا ، فإنك لابد لك أن تقرأ ما أمليته عليهم ، فإن من علم أن عليه حافظا يكتب ما يعلمه من أفعاله ، حفظ ما يملي عليه ، قال تعالى :
(يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ) (١٢)
الحفظة تعلم ما يفعل العبد ، ولكنها ما تكتب له عملا حتى يتلفظ به ، فإذا تلفظ كتبت ، فهم شهود إقرار ، وسبب ذلك عدم اطلاعهم على ما نواه العبد في ذلك الفعل ، ولهذا ملائكة العروج بالأعمال تصعد بعمل العبد وهي تستقله فيقبل منها ويكتب في عليين ، وتصعد بالعمل وهي تستكثره فيقال لها : اضربوا بهذا العمل وجه صاحبه ، فإنه ما أراد به وجهي (وَما أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفاءَ) فلو علمت الحفظة ما في نية العبد عند العمل ما ورد مثل هذا الخبر ، فالنية في الأعمال لا تكون من العبد إلا من الوجه الخاص ، ولهذا لا يعلمه من العامل إلا الله والعامل الذي نوى فيه ما نوى.
(إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ) (١٣) بما غمرهم به من إحسانه.