الثالث ـ في قوله تعالى (لَمَحْجُوبُونَ) عن علمهم بما يرونه ، فإن رسول الله صلىاللهعليهوسلم يقول [إن أحدكم لا يرى ربه حتى يموت] فإذا ماتوا رأوا الحق غير أنهم محجوبون عن العلم به أنه هو ، مثل إذا كان في نفسك لقاء شخص لست تعرفه بعينه وأنت طالب له من اسمه وحاجتك إليه ، فلقيته وسلمت عليه من جملة من لقيت ، ولم يتعرف إليك ، فقد رأيته وما رأيته ، فلا تزال طالبا له وهو بحيث تراه ، فلا معول إلا على العلم ، فما هو محجوب ، هو مرئي للجميع لكنه لا يعلم ، فلأهل الجنة الرؤية متى شاؤوا ، ولأهل النار في أحيان مخصوصة الرؤية ، فإن الله ما أرسل الحجاب عليهم مطلقا ، وإنما قال (يَوْمَئِذٍ) في قوله (كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ) لما تعود عليهم وأغلظ في حال الغضب ، والربوبية لها الشفقة ، فإن المربى ضعيف يتعين اللطف به ، فلذلك كان في حال الغضب عن ربه محجوبا ، فأورثه ذلك الحجاب أن جعله يصلى الجحيم ، لأنه قال بعد قوله (لَمَحْجُوبُونَ) الآية. ـ تحقيق ـ (كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ) مع قوله تعالى (وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللهِ) فالكافر والمؤمن كلهم يرجعون إلى الله ، غير أنه ما كل من يرجع إليه يلقاه ، لذلك قال تعالى (كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ).
(ثُمَّ إِنَّهُمْ لَصَالُو الْجَحِيمِ) (١٦)
فأتى بقوله (ثُمَّ) فما صلى الجحيم إلا بعد وقوع الحجاب ، ولذلك قيده بيومئذ ، فيدخلون من باب الجحيم أحد أبواب النار السبعة.
(ثُمَّ يُقَالُ هَذَا الَّذِي كُنتُم بِهِ تُكَذِّبُونَ (١٧) كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الْأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ) (١٨)
في سدرة المنتهى حيث ترفع أعمال الأبرار ، ويدخل فيهم العصاة أهل الكبائر والصغائر.
(وَمَا أَدْرَاكَ مَا عِلِّيُّونَ (١٩) كِتَابٌ مَّرْقُومٌ (٢٠) يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ) (٢١)
إن المقرب من كانت سجيته |
|
سجية البر والأبرار تجهله |