فما أقسم بشيء ليس هو ، فهو تعالى الشاهد من كل كون ، وهو المشهود في كل عين ، فهو الشاهد والمشهود ، لأنه عين الوجود (كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ). ألا كل شيء ما خلا الله باطل.
(قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ) (٤)
صاحب الأخدود أعطي حروف الاسم الأعظم دون معناه ، فإنه تلقاه من الراهب كلمات وفي رواية من حديث ابن إسحق قال : كان أهل نجران أهل شرك ، يعبدون الأوثان ، وكان في قرية من قراها قريبا من نجران ، فإن نجران هي القرية العظمى ، يأتي إليها ـ جماعة أهل تلك البلاد ـ ساحر يعلم غلمان أهل نجران السحر ، فلما نزلها ميمون ، قالوا : رجل ابتنى خيمة بين نجران وبين ملك القرية التي بها الساحر ، فبعث الثامر ابنه عبد الله بن ثامر ، مع غلمان أهل نجران ، فكان إذ مر بصاحب الخيمة أعجبه ما يرى من صلاته وعبادته ، فجعل يجلس إليه ، ويسمع منه حتى أسلم ، فوحّد الله وعبده ، وجعل يسأله عن شرائع الإسلام ، حتى إذا فقه فيهم ، جعل يسأله عن الاسم الأعظم ، وكان يعلمه ، فكتمه إياه ، وقال له : يا ابن أخي ، إنك إن تحمله أخشى ضعفك عنه ، والثامر أبو عبد الله يظن أن ابنه يختلف إلى الساحر كما تختلف الغلمان ، فلما رأى عبد الله أن صاحبه قد ضنّ به عليه ، وتخوف ضعفه عنه ، عمد إلى قداح فجمعها ، ثم لم يبق لله اسما يعلمه إلا كتبه على قدح ، لكل اسم قدح ، حتى إذا أحصاها أوقد لها نارا ، فجعل يقذفها فيها قدحا قدحا ، حتى إذا مر بالاسم الأعظم قذف فيها بقدحه ، فوثب القدح حتى خرج منها لم يضره شيء ، فأخذه ثم أتى صاحبه ، فأخبره أنه قد علم الاسم الذي كتمه ، فقال : وما هو؟ قال : هو كذا وكذا ، قال : وكيف علمته؟ فأخبره بما صنع ، قال : أي ابن أخي ، قد أصبته ، فأمسك على نفسك ، وما أظن أن تفعل ، فجعل عبد الله بن ثامر إذا دخل نجران لم يبق أحد به ضرر إلا قال له عبد الله : أتوحد الله ، وتدخل في ديني ، وأدعو الله فيعافيك مما أنت فيه من البلاء؟ فيقول : نعم ، فيوحد الله ويسلم ، ويدعو له فيشفى ، حتى لم يبق بنجران أحد به ضرر إلّا أتاه ، فاتّبعه على أمره ودعا له فعوفي ، حتى رفع شأنه إلى ملك نجران ، فدعاه فقال له : أفسدت عليّ أهل قريتي ، وخالفت ديني ودين