العالم أعضاء ذلك الإنسان ، وما وصف المحبوب بمحبة محبه ، وإنما جعله محبوبا لا غير ، وأتى مع الاسم الودود الغفور لأجل الستر ، فإن الأمر مستور بين الحق والخلق بالخلق والحق ، ومن هذه الحقيقة لو لا عابد الوثن ما اعتقد فيه الألوهة بوجه ما عبده ، إلا أنه بالستر المسدل في قوله تعالى (وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ) لم يعرفه ، وليس إلا الأسماء ، فعبد المخلوق هنا ما عبده ، وما عبد إلا الله.
(ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ) (١٥)
بخفض الدال على قراءة حمزة والكسائي ، وصف العرش بأنه مجيد لأنه تنزه أن يحيط به غير من الأجسام ، فكان له الشرف ، وهو العرش الذي استوى عليه بالاسم الرحمن ، فإنه ما رحم إلا صبابة المحب ، وهو رقة الشوق إلى لقاء المحبوب ، ولا يلقاه إلا بصفته ، وصفته الوجود ، فأعطاه الوجود ، ولو كان عنده أكمل من ذلك ما بخل به عليه ، ولو كان وادخره لكان بخلا ينافي الجود ، وعجزا يناقض القدرة.
(فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ) (١٦)
فهو الودود المحب ، وهو فعال لما يريد فهو المحبوب ، لأن المحبوب فعال لما يريد بمحبه ، والمحب سامع مطيع مهيأ لما يريد به محبوبه ، لأنه المحب الودود أي الثابت على لوازم المحبة وشروطها ، فالودود هنا هو الفعال لما يريد ، فهو المحب المحبوب ـ تحقيق ـ ولما كانت إرادة الحق مجهولة التعلق لا يعرف مرادها إلا بتعريف إلهي ، فإذا أكده بالقسم والإيلاء كان أرفع للحرج في نفس المقسوم له ، لذلك نفّس الله عن المقسوم له ما كان يجده من الحرج والضيق الذي يعطيه في الموجودات قوله (فَعَّالٌ لِما يُرِيدُ) بالأقسام الإلهية الواردة في القرآن والسنة ، فإنه تعالى لو رحم العالم كله لكان ، ولو عذب العالم كله لكان ، ولو رحم بعضه وعذب بعضه لكان ، ولو عذبه إلى أجل مسمى لكان ، فإن الواجب الوجود لا يمتنع عنه ما هو ممكن لنفسه ، ولا مكره له على ما ينفذه في خلقه ، بل هو الفعال لما يريد ، فهو المطلق في أفعاله وأنت المقيد ، وهو تعالى فعّال لما يريد ، وما يريد إلا ما هو عليه العلم ، والعلم تابع للمعلوم ، ولا يظهر في الوجود إلا ما هو المعلوم عليه ، فلله الحجة البالغة ، فما وقع