وجوده ، وليس هو كذا في حق الحق ، لأن الله لم يطلب تكوين الموجودات لافتقاره إليها ، لأنها مشهودة له تعالى في حال عدمها ووجودها ، والعبد ليس كذلك ، فإنه فاقد لها حسا في حال عدمها.
(نُزُلًا مِّنْ غَفُورٍ رَّحِيمٍ) (٣٢)
(نُزُلاً) بشهادتنا وشفاعتنا حيث قبلها ، فأسعدكم الله بها (مِنْ غَفُورٍ) فستركم في كنفه (رَحِيمٍ) وأدخلكم في رحمته.
(وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ) (٣٣)
إنما يدعى إلى الله من لم يكن عنده في الصفة التي يدعى إليها ، ولا أبعد من شياطين الإنس والجن ، فما يتقرب المتقرب إلى الله من أهل الدعاء إلى الله ، بأولى من رد من شرد عن باب الله وبعد إلى الله لينال رحمته ، فإن الرسل ما بعثت بالتوحيد إلا للمشركين وهم أبعد الخلق من الله ، ليردوهم إلى الله ويسوقوهم إلى محل القرب وحضرة الرحمة.
(وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ (٣٤) وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ) (٣٥)
يروى من الاخبار في سبب نزول هذه الآية ، أن أعرابيا جاء إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم من المشركين من فصحاء العرب ، وقد سمع أن الله قد أنزل عليه قرآنا عجز عن معارضته فصحاء العرب ، فقال له : يا رسول الله هل فيما أنزل عليك ربك مثل ما قلته؟ فقال له رسول الله صلىاللهعليهوسلم : وما قلت؟ فقال الأعرابي قلت :
وحيّ ذوي الأضغان تسبي عقولهم |
|
تحيتك القربى فقد ترقع النفل (١) |
وإن جهروا بالقول فاعف تكرما |
|
وإن ستروا عنك الملامة لم تبل |
__________________
(١) النفل : الأعطيات.