ما وقع إلا بعلم الله ، وما علم الله إلا ما كان عليه المعلوم ، وهذا هو عين سر القدر لمن فهمه ، وكم منع الناس من كشفه لما يطرأ على النفوس الضعيفة الإيمان من ذلك ، فليس سر القدر الذي يخفى عن العالم عينه إلا اتباع العلم للمعلوم ، فلا شيء أبين منه ، ولا أقرب مع هذا البعد.
(هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْجُنُودِ (١٧) فِرْعَوْنَ وَثَمُودَ (١٨)
بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي تَكْذِيبٍ (١٩) وَاللَّهُ مِن وَرَائِهِم مُّحِيطٌ) (٢٠)
جعل الله الإحاطة هنا بالوراء للحفظ الإلهي ، وذلك لما جعل للإنسان عينين وجعلهما في وجهه الذي هو الأمام منه والجنبات ، وجعلهما لحفظ الإنسان من الأمام والجنبات ، ولم يكن للوراء سبب يقع به الحفظ لهذا المذكور ، فحفظه الله بذاته ولم يجعل له سببا يحفظه به سواه ، فالإنسان من أمامه محفوظ بنفسه ، ومن خلفه محفوظ بربه ، ولو لم يكن الحق من ورائهم محيط لأخذ الإنسان من ورائه ، فأمن مما يحذره ، واعتمد على حفظه بما شاهده من أمامه ، فحصل له الأمان من أمامه غيبا وشهادة ، وحصل له الأمان من ورائه إيمانا ، فالله من ورائنا محيط لأنه الوجود ، فلو لم يكن من ورائنا لكان انتهاؤنا إلى العدم ، ولو وقعنا في العدم ما ظهر لنا عين ، فمن المحال وقوعنا في العدم لأنّ الله وهو الوجود المحض من ورائنا محيط بنا ، إليه ننتهي فيحول وجوده وإحاطته بيننا وبين العدم ، فلا يزال العدم سابحا في فلك الوجود دائما إلى غير نهاية ، إذ لا نهاية هناك ، فليس وراء الله مرمى لرام ، ووراء العالم الله فهو المنتهى وما له انتهاء ، لا إله إلا هو العزيز الحكيم.
(بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَّجِيدٌ) (٢١)
أضرب بأداة (بَلْ) (هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ) أي جمع شريف ، فالقرآن أحق بالتعظيم من السلطان ، لأنه الكلام المجيد الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد.
(فِي لَوْحٍ مَّحْفُوظٍ) (٢٢)