من التبديل والتغيير ، فإما يدل على توحيد ، وإما صفة توحيد ، وإما صفة فعل ، وإمّا ما يعطي الاشتراك ، وإما تشبيه ، وإما حكم ، وإما قصص ، وإما موعظة بترغيب أو ترهيب ، أو دلالة على مدلول عليه ، فهو محصور بين محكم ومتشابه ، وسمى اللوح بالمحفوظ لما حفظ الله عليه ما كتب فيه ، فلم ينله محو بعد ذلك ولا تبديل ، فكل شيء فيه ، وهو أي اللوح المحفوظ المسمى في القرآن بكل شيء ، تسمية إلهية ، ومنه كتب الله كتبه وصحفه المنزلة على رسله وأنبيائه ، مثل قوله تعالى (وَكَتَبْنا لَهُ فِي الْأَلْواحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ) أي من اللوح المحفوظ ، فهو موضع تنزيل الكتب ، وهو أول كتاب سطر فيه الكون ، أمر الله تعالى القلم أن يجري على هذا اللوح بما قدره وقضاه ، مما كان من إيجاده ، ما فوق اللوح إلى أول موجود ، وإيجاد الأرواح المهيمة في جلال الله تعالى وجماله ، ومما يكون إلى أن يقال (فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ) ويذبح الموت ، ويقوم منادي الحق على قدم الصدق ، فيقول [يا أهل الجنة خلود فلا خروج من النعيم الدائم الجديد ، ويا أهل النار خلود فلا خروج من العذاب المقيم الجديد] إلى هنا حد الرقم بما بينهما ، وما بعد هذا فله حكم آخر ، فهذا اللوح محل الإلقاء العقلي ، هو للعقل بمنزلة حواء لآدم ، وليس فوق القلم موجود محدث يأخذ منه يعبر عنه بالدواة وهي النون ، وإنما نونه التي هي الدواة عبارة عما يحمله في ذاته من العلوم بطريق الإجمال من غير تفصيل ، فلا يظهر لها تفصيل إلا في اللوح الذي هو اللوح المحفوظ ، فالقلم محل التجميل واللوح محل التفصيل ، وهذا الملك الكريم الذي هو اللوح المحفوظ هو أيضا قلم لما دونه ، وهكذا كل فاعل ومنفعل لوح وقلم ، وجعل الله أمر التركيب وعالم الأجسام والإنشاءات كلها بيد هذا الملك الكريم ، كما جعل القلم الأعلى واهب الأرواح فيها ، ويسمى اللوح المحفوظ النفس الناطقة الكلية الثابتة عند أهل الإشارات ، لأن النفس الناطقة وجدت من نفس الرحمن ، فنفّس الله بها عن العقل إذ جعلها محلا لقبول ما يلقي إليها ، ولوحا لما يسطره فيها ، وهو محفوظ عن المحو والتبديل والتحريف ، لأن كتابته نقش فلا تقبل المحو ، ومما كتب فيه وأثبت علم التبديل ، أي علم ما يبدل ويحرّف في عالم التغيير والإحالة ، والذي كتبه القلم الأعلى لا يتبدل ، فلا يمحى ما كتب في هذا اللوح ، فالقلم الأعلى يثبت في اللوح المحفوظ كل شيء يجري من أقلام المحو والإثبات ، ففي اللوح المحفوظ إثبات المحو في الألواح ، وإثبات الإثبات ، ومحو الإثبات عند وقوع الحكم وإنشاء أمر آخر ، فهو لوح