لِلْيُسْرَى (٨) فَذَكِّرْ إِن نَّفَعَتِ الذِّكْرَى (٩) سَيَذَّكَّرُ مَن يَخْشَى (١٠) وَيَتَجَنَّبُهَا الْأَشْقَى) (١١)
الأشقى أشقى ما دام يصلي النار الكبرى ، كما قال تعالى :
(الَّذِي يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرَى (١٢) ثُمَّ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَى) (١٣)
فجاء بثم بعد حكم كونه يصلى النار ، فبين كونه يصلى وبين كونه لا يموت ولا يحيى ، قدر ما تعطيه حقيقة ثم في اللسان التي للعطف ، فينتقل الحكم عليه بذبح الموت ، فأهل النار بعد انقضاء فترة العذاب لا يموتون فيها ولا يحيون ، كما يقال في النائم ما هو بميت ولا حي ، فراحة أهل النار بذبح الموت راحة النائم ، فلا يموت ولا يحيى ، أي لا تزول هذه الراحة له مستصحبة ، فنعيمهم نعيم النائم في النار ، فلا يستيقظ أبدا من نومته ، فتلك الرحمة التي يرحم الله بها أهل النار الذين هم أهلها وأمثالها ، كالمحرور يتنعم بالزمهرير ، والمقرور منهم يجعل في الحرور ، فهم في نعيم النار دائمون مؤبدون ، كنعيم النائم بالرؤيا التي يراها في حال نومه من السرور ، وربما يكون في فراشه مريضا ذا بؤس وفقر ، ويرى نفسه في المنام ذا سلطان ونعمة وملك ، فإن نظرت إلى النائم من حيث ما يراه في منامه ويلتذ به قلت : إنه في نعيم وصدقت ، وإن نظرت إليه من حيث ما تراه في فراشه الخشن ومرضه وبؤسه وفقره وكلومه ، قلت : إنه في عذاب ، وذلك كلّه بعد قوله (لا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ) ذلك زمان عذابهم وأخذهم بجرائمهم قبل أن تلحقهم الرحمة.
(قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكَّى (١٤) وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى) (١٥)
أثنى الله تعالى على الذاكر ، وهو الذي كان له علم بأمر ما ثم نسيه ، لما جبل عليه الإنسان من النسيان ، ولما توهم بعض الناس بما أضاف الله إليهم من الأعمال والأموال والتمليك أن لهم حظا في الربوبية ، وأنها من نعوته وله قدم فيها ، اعتنى الله بمن اعتنى به فقال (وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى) أي تأخر إلى مقام عبوديته ، وأفرد الربوبية لله تعالى ، فأفلح من جميع