وجوهه ، وليست هذه الصفة مشاهدة لغير الذاكر ، فالذاكر عبد مخلص لله تعالى ، فإن العبد قد حيل بينه وبين شهود ذلك بما جعل الله فيه من النسيان والسهو والغفلة ، فيتخيل أن له قدما في السيادة ، ألا ترى ما قال في الذي اتصف بنقيض هذه الحال ، لما جاءه ذكر ربه وهو القرآن يذكره بنفسه وبربه (فَلا صَدَّقَ) من أتى به أنه من عند ربه (وَلا صَلَّى) ولا تأخر عن دعواه وتكبره وقد سمع قول الله الحق ـ نصيحة ـ إذا كان عزيزا أن ينزه العبد نفسه أن يكون ربا أو سيدا من وجه ما ، أو من كل وجه ، فإن الإنسان يغفل ويسهو وينسى ويقول : أنا ؛ ويرى لنفسه مرتبة سيادة في وقت غفلته على غيره من العباد ، فإذ ولابد من هذا فليجتهد أن يكون عند الموت عبدا محضا ليس فيه شيء من السيادة على أحد من المخلوقين ، ويرى نفسه فقيرة إلى كل شيء من العالم ، من حيث أنه عين الحق من خلف حجاب الاسم.
(بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (١٦) وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى) (١٧)
فتتعلق بها الهمة ، فإن الماضي والحال قد حصلا ، والمستقبل آت فلابد منه ، فتعلق الهمة به أولى ، فإنه إذا ورد عن همة متعلّقة به كان لها لا عليها ، لحسن الظن بالآتي ، وهذه فائدة من حافظ عليها حاز كل نعيم.
(إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولَى (١٨) صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى) (١٩)
(٨٨) سورة الغاشية مكيّة
بسم الله الرحمن الرحيم
(هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ (١) وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ (٢) عَامِلَةٌ نَّاصِبَةٌ (٣) تَصْلَى نَارًا حَامِيَةً (٤) تُسْقَى مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ (٥) لَّيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلَّا مِن ضَرِيعٍ (٦)