لَا يُسْمِنُ وَلَا يُغْنِي مِن جُوعٍ (٧) وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاعِمَةٌ (٨) لِسَعْيِهَا رَاضِيَةٌ (٩) فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ (١٠) لَّا تَسْمَعُ فِيهَا لَاغِيَةً (١١) فِيهَا عَيْنٌ جَارِيَةٌ (١٢) فِيهَا سُرُرٌ مَّرْفُوعَةٌ (١٣) وَأَكْوَابٌ مَّوْضُوعَةٌ (١٤) وَنَمَارِقُ مَصْفُوفَةٌ (١٥) وَزَرَابِيُّ مَبْثُوثَةٌ (١٦) أَفَلَا يَنظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ) (١٧)
اعلم أن حرمة الله ذاتية فهو يقتضي التعظيم لذاته ، بخلاف الأسباب المعظمة ، فإن الناظر في الدليل ما هو الدليل له مطلوب لذاته ، فينتقل عنه ويفارقه إلى مدلوله ، فلهذا العالم دليل على الله ، لأنا نعبر منه إليه تعالى ، لذلك قال تعالى (أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى) كذا يعدد المخلوقات لتتخذ أدلة عليه لا ليوقف معها ، والنظر إلى الكيفيات المراد به بالضرورة المكيفات لا التكييف ، فإن التكييف راجع إلى حالة معقولة ، لها نسبة إلى المكيّف وهو الله تعالى ، وما أحد شاهد تعلق القدرة الإلهية بالأشياء عند إيجادها ، فالكيفيات المذكورة التي أمرنا بالنظر إليها لا فيها إنما ذلك لنتخذها عبرة ودلالة على أن لها من كيّفها ، أي صيرها ذات كيفيات ، وهي الهيئات التي تكون عليها المخلوقات المكيفات ، فقال (أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ) يعني السحاب الكائن من الأبخرة هنا الصاعدة للحرارة التي فيها (كَيْفَ خُلِقَتْ).
(وَإِلَى السَّمَاء كَيْفَ رُفِعَتْ (١٨) وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ (١٩)
وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ) (٢٠)
وغيرها لا يصح أن تنظر حتى تكون موجودة فننظر إليها وكيف اختلفت هيئاتها ، ولو أراد بالكيفية حالة الإيجاد لم يقل : انظر إليها ، فإنها ليست بموجودة ، فعلمنا أن الكيف المطلوب منا في رؤية الأشياء ما هو ما يتوهم من لا علم له بذلك ، ألا تراه سبحانه لما أراد النظر الذي هو الفكر قرنه بحرف (في) ولم يصحبه لفظ كيف.