فإن الذي يؤذيك منه استماعه |
|
وإن الذي قد قيل خلفك لم يقل |
فأنزل الله تعالى (وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) الآية فقال الأعرابي : هذا والله هو السحر الحلال ، والله ما تخيلت ولا كان في علمي أن يزاد أو يؤتى بأحسن مما قلته ، أشهد أنك رسول الله ، والله ما خرج هذا إلا من ذي إلّ. يقول الله تعالى : (ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) من الإحسان يعني قوله (وَأَصْلَحَ) من قوله تعالى (فَمَنْ عَفا وَأَصْلَحَ) السيئة (فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَداوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ).
(وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ) (٣٥)
(وَما يُلَقَّاها) يعني هذه الصفة (إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا) وحبسوا أنفسهم عن أن يجازوا المسيء بإساءته إساءة ، ولو علم الناس قدر ما نبهنا عليه في هذه المسئلة ، ما جازى أحد من أساء إليه بإساءة ، فما كنت ترى في العالم إلا عفوا مصلحا ، لكن الحجب على أعين البصائر كثيفة ، وليست سوى الأغراض واستعجال التشفي والمؤاخذة ، ولو نظر هذا الناظر لمّا أساء هو على الله ، في رد ما كلفه به ، وركوبه الخطر في ذلك ، وإمهال الحق له وتجاوزه عنه في هذه الدار ، حتى يكون هو الذي يكشف نفسه ، حتى تقام عليه الحدود ويرمي نفسه في المهالك ، كما قال الصاحب : ستر الله عليه لو ستر على نفسه ؛ في المعترف بالزنا ، مثل هذا الأعرابي الذي سبق الإشارة إليه عرفوا إعجاز القرآن ، أترى يا ولي يكون هذا الأعرابي فيما وصف به نفسه بأكرم من الله في تحمل الأذى وإظهار البشر والمخالفات عن العقوبة ، والعفو مع القدرة ، وتهوين ما يقبح على النفس ، والتغافل عمن أراد التستر عنك بما يشينه لو ظهر به؟ بل الله أكرم منه ، وأكثر تجاوزا ، وعفوا وحلما وأصدق قيلا ، فإن هذا القول من العربي وإن كان حسنا ، فما يدري عند وقوع الفعل ما يكون منه ، والحق صادق القول بالدليل العقلي ، فما يأمر بمكرمة إلا وهي صفته التي يعامل بها عباده ، ولا ينهى عن صفة مذمومة لئيمة إلا وهو أنزه عنها :
إذا رأيت مسيئا يبتغي ضررا |
|
فداره ثم لا تظهر له خبرا |
وادفع أذاه بما توليه من حسن |
|
وامنن عليه ولا تعلم به بشرا |
فإن ذلك إكسير وقوته |
|
أن تقلب العين والأجساد والصورا |