شفعا أو وترا ، وإنما أحب الله الوتر لأنه طلب الثأر ، والحقّ سبحانه قد نوزع في أحديته بالألوهية ، فلمّا نوزع في ألوهيته جاء بالوتر ، أي بطالب الثأر ، ليفني المنازع ويفرد الحق بالأحدية ، أحدية الذات ، لا أحدية الكثرة التي هي أحدية الأسماء ، فإن أحدية الأسماء شفع الواحد ، لأن الله كان من حيث ذاته ولا شيء معه ، فما شفع أحديته إلا أحدية الخلق ، فظهر الشفع ـ لطيفة ـ غارت الأحدية إذ سمعت الوترية تصحب العبادة وذلك بصلاة المغرب ، فشرعت وتر صلاة الليل لتشفع وتر صلاة النهار ، فتأخذ بوتر الليل ثأرها من وتر صلاة النهار.
(وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ) (٤)
إشارة : لما كان للوتر حظ كثير في المبدأ (١) لكن ليس هو كالواحد ، فإن الواحد هو أصله ، لهذا قرن معه الشفع دون غيره فقال عز من قال (وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ) فأقسم بهما ، ولم يكن له ذلك السريان ، فجاءت الفهوانية بالوحدانية من جهة غيبها لا من جهة عينها ، من أجل الوتر أن يقوم بالشفعية ، فتعارض الوحدانية في السريان ، وليس له ذلك فقال (وَاللَّيْلِ إِذا يَسْرِ) فهو تنبيه على سير الواحد في المراتب لإظهار الأعداد ، وكنى عنه بالليل لطموس عين الوحدانية في الأعداد من جهة الظاهر ، إلا من كل مبدأ ، فإنها تظهر بذاتها ، فإنك لا تقول بعد الواحد واحد أبدا ، وإنما تقول اثنان ، ثلاثة ، أربعة ، خمسة ، كذلك إلى عشرة ، وأشبهت بسائط العدد التي هي اثنى عشر ، لفظة الواحد من كونها تظهر في المراتب ، ظهور الواحد فيها ، فهي نائبة عنه من حيث الاسم لا من حيث المعنى ، وهي واحد اثنان ثلاثة أربعة خمسة ستة سبعة ثمانية تسعة ، عشرة ، مائة ، ألف ، وما ثم أكثر ، فإن الحكم إنما هو للإثني عشر الذي قد ربط الله الوجود بها ، فالواحد سار في جميع الأشياء كما ذكرنا ، فصار لا يظهر في الأعداد إلا هذه الاثنا عشر ، فنقول واحد وعشرون ، اثنان وثلاثون ، ثلاثة وأربعون ، أربعة آلاف ، خمسة عشر ألفا ، مائة ألف.
__________________
(١) الإيجاد عن الفردية.