وتحقق بأن قسمه من الله ما هو عليه في الحال ، فجبر الله كسره بقوله [أنا عند المنكسرة قلوبهم].
(وَتَأْكُلُونَ التُّرَاثَ أَكْلًا لَّمًّا (١٩) وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا) (٢٠)
إنما سمي المال مالا لأنه يميل بالنفوس إليه ، وإنما مالت النفوس إليه لما جعل الله عنده من قضاء الحاجات به ، وجبل الإنسان على الحاجة لأنه فقير بالذات ، فمال إليه بالطبع الذي لا ينفك عنه.
(كَلَّا إِذَا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكًّا دَكًّا) (٢١)
لتجلي الحق ، إذا كانت كالعهن المنفوش ، فإن الجبال وهي لا تعرف التواضع ظهرت ابتداء بصورة القهر ، حيث سكنت ميد الأرض ، ويتجلى الحق يوم القيامة فتصير الجبال دكا دكا ، فتمد الأرض بمزيد امتداد الجبال وتصيرها أرضا ، فما كان منها في العلو في الجو إذا انبسط زاد في بسط الأرض.
(وَجَاء رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا) (٢٢)
وهو إتيان عام للاسم الرب للفصل والقضاء ، لأن هناك إتيان خاص بالرحمة لمن اعتنى به من عباده ، مثل قوله صلىاللهعليهوسلم [إني لأجد نفس الرحمن من قبل اليمن] وهذا الإتيان يوم القيامة للفصل والقضاء بين الناس ، فمن الناس من يقضى له بما فيه سعادته ، ومن الناس من يقضى له بما فيه شقاوته.
(وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى) (٢٣)
(وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ) وما وصفها الحق بالمجىء من ذاتها ، فقال (وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ) يعني يوم القيامة ، وإنما امتنعت من الإتيان حتى جيء بها ، لما علمت بما هي عليه وبما فيها من أسباب الانتقام بالعصاة من المؤمنين ، وما وقعت عينها إلا على مسبح لله بحمده ،