ما هي الأشياء أسماء للحق لا من حيث أعيانها ، فلا أفقر من الإنسان الكامل إلى العالم لأنه يشهده مسخرا له ، فعلم أنه لو لا ما هو عليه من الحاجة إلى ما سخروا فيه من أجله ما سخروا ، فيعرف نفسه أنه أحوج إلى العالم من العالم إليه.
(وَلِسَانًا وَشَفَتَيْنِ) (٩)
اعلم أن اللسان أملك شيء للإنسان ، سريع الحركة ، حركته أقرب إلى الهلاك منها إلى النجاة ، كثير العثرات ، قال صلىاللهعليهوسلم : [وهل يكب الناس على مناخرهم في النار إلا حصائد ألسنتهم] وهو ترجمان إرادة الحق بما شاء أن يجريه في عالم الشهادة ، لا ترجمان الأمر إلا بالموافقة ، فإما صادق وإما دجال ، فاللسان قلم القلب ، تكتب به يمين القدرة ما تملي عليه الإرادة من العلوم في قراطيس ظاهر الكون ، فالكلام من موارده عمل من الأعمال ، يحصيه الملك ، كما قال تعالى : (ما يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ) ثم يصعد به في المساء والصباح إلى الواحد جل جلاله ، فما كان خالصا له سبحانه ألقاه في عليين ، وما كان غير خالص بنوع ما من أنواع الكدر ، مثل الزيادات في الحديث ، والكذب والرياء والمراء والجدال في نصرة الباطل ، ألقاه في سجين. واللسان إذا تحقق في مراعاة ما توجه إليه من الشارع ، ووقف عندما حدّ له ، فاشتغل بالواجب عليه فيه ، كشهادة التوحيد ، وقراءة القرآن في بعض المواطن ، والأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر ، وإصلاح ذات البين وشهادة التعيين ، وتبيين العالم ، وإرشاد الضال ، ورد السلام وما أشبه ذلك كله ، فهذا كله من الترغيبات في النطق المقرب إليه ، كتلاوة القرآن ودوام التسبيح والتحميد وجميع الأذكار والمواعظ ، كما يجب عليه الكف عن التضريب بين الناس والفرية والجهل من القول والنميمة والغيبة وكل نطق مذموم شرعا ، فإذا تحقق العبد بهذه الأوصاف على ما حدّ له كان مالكا للسانه ، وشهابا ثاقبا لشيطانه.
إن اللسان رسول القلب للبشر |
|
بما قد أودعه الرحمن من درر |
فيرتدي الصدق أحيانا على حذر |
|
ويرتدي المين أحيانا على خطر |
كلاهما علم في رأسه لهب |
|
لا يعقل الحكم فيه غير معتبر |
فانظر إلى صادق طابت موارده |
|
وكاذب رائج غاد على سفر |
مع اتحادهما والكيف مجهلة |
|
من سائل كيف حكم الحق في البشر |