بما عناها ، و (الذي وما) من الأسماء النواقص ، وقد تكون أسماء الله عزوجل ، فما هنا ق د تكون مصدرية ، وقد تكون في بعض الوجوه في هذا الموضع بمعنى الذي ، فتكون اسما لله عزوجل ، فيكون قوله تعالى (وَالسَّماءِ وَما بَناها) أي وباني السماء.
(وَالْأَرْضِ وَمَا طَحَاهَا) (٦) لما أدار رحاها ، أو وباسط الأرض.
(وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا) (٧)
بما ألهمها من فجورها وتقواها ، وهي نفس كل مكلف ، وما ثم إلا مكلف ، ومن وجه آخر (وَنَفْسٍ وَما سَوَّاها) من التسوية وهو الاعتدال في الشيء ، وهو جعل المباح للنفس ذاتيا لها لا يحتاج إلى إلهام ، فهو من خاصية النفس ، فلذلك لم يصفها بأنها ملهمة فيه ، ولما كانت النفس محل الفرقان ، ومحل التغيير والتطهير ، ومقر الأمر والنهي ، وهي بين أميرين قويين مطاعين ، العقل والهوى ، هذا يناديها وهذا يناديها ، والكل بإذن الله تعالى الأصلي قال تعالى في إثر (وَنَفْسٍ وَما سَوَّاها).
(فَأَلْهَمَها فُجُورَها وَتَقْواها) (٨)
لهذا جعلناها محل التطهير والتغيير ، فإن أجابت الهوى كان التغيير ، وحصل لها اسم الأمّارة بالسوء ، وإن أجابت العقل كان التطهير وصح لها اسم المطمئنة شرعا ، ووقوع هذا الأمر لحكمة لطيفة وسر عجيب ، وهو أن الله سبحانه لما أوجد الروح وهو الخليفة على الكمال ، أراد أن يعرّفه سبحانه مع ذلك أنه فقير لا حول ولا قوة إلا لسيده الرب تعالى ، فلهذا أوجد له منازعا ينازعه فيما قلّده ، فرجع الروح بالشكوى إلى الله القديم سبحانه ، فثبتت له في نفسه عبوديته بالافتقار والعجز والذلة ، وتحقق التميز وعرف قدره ، فذلك كان المراد ، فإن الإنسان لو نشأ على الخير والنعم طول عمره لم يعرف قدر ما هو فيه حتى يبتلى ، فإذا مسه الضر عرف قدر المنعم ، والإلهام ضرب من ضروب الوحي لا يخلو عنه موجود ، وهو خبر من الله للعبد على يد ملك مغيّب عن هذا الملهم ، وقد يلهم من الوجه الخاص ، فالرسول والنبي يشهد الملك ويراه عندما يوحي إليه ، وغير الرسول يحس بأثره