ولو ألهمه العمل بالفحشاء لما قامت الحجة لله على العبد ، بل هذه الآية مثل قوله (وَهَدَيْناهُ النَّجْدَيْنِ) ـ.
لا تحكمن بإلهام تجده فقد |
|
يكون في غير ما يرضاه واهبه |
واجعل شريعتك المثلى مصححة |
|
فإنها ثمر يجنيه كاسبه |
له الإساءة والحسنى معا فكما |
|
تعطي طرائفه تردي مذاهبه |
فاحذره إن له في كل طائفة |
|
حكما إذا جهلت فينا مكاسبه |
لا تطلبن من الإلهام صورته |
|
فإن وسواس إبليس يصاحبه |
في شكله وعلى ترتيب صورته |
|
وإن تميز فالمعنى يقاربه |
فجعل الله النفس محلا قابلا لما تلهمه من الفجور والتقوى ، فتميز الفجور فتجتنبه ، والتقوى فتسلك طريقه ، ومن نظر قول رسول الله صلىاللهعليهوسلم [إن للملك في الإنسان لمة ، وللشيطان لمة] يعني بالطاعة وهي التقوى ، والمعصية وهي الفجور ، فيكون الضمير في ألهمها للملك في التقوى ، وللشيطان في الفجور ، فيكون قوله تعالى (فَأَلْهَمَها فُجُورَها) عملا أو تركا ، لمجيئه على يد شيطان ، (وَتَقْواها) عملا أو تركا لمجيئه على يد ملك ، ولم يجمعهما في ضمير واحد لبعد المناسبة بينهما ، وكل بقضاء الله وقدره ، ولا يصح أن يقال في هذا الموضع : إن الله هو الملهم بالتقوى ، وإن الشيطان هو الملهم بالفجور ، لما في ذلك من الجهل وسوء الأدب ، لما في ذلك من غلبة أحد الخاطرين ، والفجور أغلب من التقوى ، فإنه في ذلك يجمع بين الله والشيطان في ضمير واحد ، وهو غاية سوء الأدب مع الله ، وما أحسن ما جاء بالواو العاطفة في قوله (وَتَقْواها) فتعالى الله الملك القدوس أن يجتمع مع المطرود من رحمة الله في ضمير ، مع احتمال الأمر في ذلك ، فالفاعل في ألهمها مضمر ، وكذلك لا يترجح أن ننسب الإلهام بالفجور إلى الله ، فلم يبق بعد هذا الاستقصاء إلا أن يكون الضمير في ألهمها بالفجور إلى الشيطان ، وبالواو بالتقوى إلى الملك ، فمقابلة مخلوق بمخلوق أولى من مقابلة مخلوق بخالق ، ومن وجه آخر تطلبه الآية ، وهو أنه بما ألهمها عرّاها أن يكون لها في الفجور والتقوى كسب أو تعمل ، وإنما هي محل لظهور الفعل ، فجورا كان أو تقوى شرعا ـ الفرق بين الإلهام والعلم اللدني ـ العلم بالطاعة إلهامي ، والعلم بنتائج الطاعة لدني ، فالإلهام عارض طارىء ، يزول ويجيء ، والعلم اللدني ثابت لا يبرح ،