والإلهام هو ما يلهمه العبد من الأمور التي لم يكن يعرفها قبل ذلك ، والعلم اللدني الذي لا يكون في أصل الخلقة ، فهو العلم الذي تنتجه الأعمال ، فيرحم الله بعض عباده بأن يوفقه لعمل صالح ، فيعمل به فيورثه الله من ذلك علما من لدنه لم يكن يعلمه قبل ذلك ، ولا يلزم من العلم اللدني أن يكون في مادة ، والإلهام لا يكون إلا في مواد ، والعلم يصيب ولابد ، والإلهام قد يصيب وقد يخطىء ، فالمصيب منه يسمى علم الإلهام ، وما يخطىء منه يسمى إلهاما لا علما ، أي لا علم إلهام ، قال صلىاللهعليهوسلم [قلب المؤمن بين أصبعين من أصابع الله] فالإلهام هنا هو التقليب ، والأصابع للسرعة ، والاثنينية لها خاطر الحسن وخاطر القبيح ـ بشرى ـ قال تعالى (فَأَلْهَمَها فُجُورَها ، وَتَقْواها) قدم تعالى الفجور على التقوى عناية بنا إلى الخاتمة ، والغاية للخير ، فلو أخر الفجور على التقوى لكان من أصعب ما يمر علينا سماعه ، فالفجور يعرض للبلاء ، والتقوى محصل للرحمة ، وقد تأخر التقوى فلا يكون إلا خيرا.
(قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا) (٩)
يعني النفس التي سواها ، يريد قد أفلح من طهرها بامتثال أوامر الله ، فأنزل الله تعالى نفوسنا منا منزلة الأموال منا في الحكم ، فجعل فيها الزكاة كما جعلها في الأموال ، كما ألحقها بالأموال في البيع والشراء ، فتزكية النفس بتحليتها وتطهيرها من مذام الأخلاق وإتيان مكارمها ، فمن زكى نفسه بالتقوى فاتقى من الفجور ما ينبغي أن يتّقى منه ، وأخذ من الإلهام ما ينبغي أن يؤخذ منه فقد أفلح ، ومن دس نفسه في موضع قيل له لا تدخل منه فقد خاب ، ولذلك قال تعالى :
(وَقَدْ خابَ مَنْ دَسَّاها) (١٠)
لما كان معنى الزكاة التطهير ، ولم يكن المال الذي يخرج في الصدقة من جملة مال المخاطب بالزكاة ، وكان بيده أمانة لأصحابه ، لم يستحقه غير صاحبه ، وإن كان عند هذا الآخر ، ولكنه هو عنده بطريق الأمانة إلى أن يؤديه إلى أهله ، كذلك في زكاة النفوس ، فإن النفوس لها صفات تستحقها ، وهي كل صفة يستحقها الممكن ، وقد يوصف الإنسان بصفات