(٩٣) سورة الضّحى مكيّة
بسم الله الرحمن الرحيم
(وَالضُّحَى (١) وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى) (٢)
أي أظلم ، فقد يكون الليل ولا ظلمة ، فإنه ليس من شرط وجود الليل وجود الظلمة ، إنما عين الليل غروب الشمس إلى حين طلوعها ، سواء أعقب المحل نور آخر سوى نور الشمس أو ظلمة ، فلو كان عين الليل عين الظلمة ما نعته بأنه أظلم.
(مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى (٣) وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَّكَ مِنَ الْأُولَى) (٤)
الأولى هي الدار الدنيا ، والدار الآخرة هي الآخرة ، فكان بين خلق الدنيا والآخرة تسع آلاف سنة مما تعدون ، ولهذا سميت الآخرة آخرة لتأخر خلقها عن خلق الدنيا ، وسميت الدنيا الأولى لأنها خلقت قبلها ، وقد جعل الله للدار الدنيا أمدا معلوما تنتهي إليه ، وتنقضي صورتها وتستحيل من كونها دارا لنا ، ولم يجعل للآخرة مدة ينتهي إليها بقاؤها ، فلها البقاء الدائم ، وإنما قال الله تعالى لمحمد صلىاللهعليهوسلم (وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولى) لأن الآخر ما وراءه مرمى ، فهو الغاية فمن حصل في درجته فإنه لا ينتقل ، فله الثبوت والبقاء والدوام ، والأول ليس كذلك ، فإنه ينتقل في المراتب حتى ينتهي إلى الآخر وهو الغاية فيقف عنده ، فلهذا قال له (وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولى) فإن مآل الناس في الآخرة إلى رفع التحجير ، ومن وجه آخر فإن الماضي والحال قد حصلا ، والمستقبل آت فلابد منه ، فتعلق الهمة به أولى ، فإنه إذا ورد عن همة متعلقة به كان لها لا عليها ، وإذا ورد عن غير همة متعلقة به كان إما لها وإما عليها ، وإنما أثّر فيه تعلق الهمة أن يكون لها لا عليها ، لما يتعلق من صاحب الهمة من حسن الظن بالآتي ، والهمم مؤثرة ، فلو كان إتيانه عليه لا له لعاد له لا عليه ، وهذه فائدة من حافظ عليها حاز كل نعيم ،