وذلك في حق الإنسان ، فإنه قال له صلىاللهعليهوسلم (أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوى) ولذلك قال له (فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ) ، إذا وجدته فلا تقهره والطف به وآوه وأحسن إليه ، فإن القهر لا يأتي بالرحمة والمودة في قلب المقهور.
(وَأَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ) (١٠)
سواء كان في القوت المحسوس أو المعنوي ، فإن العلم من هذا الباب ويدخل فيه ، والإفادة ، فإن الضال يطلب الهداية ، والجائع يطلب الطعام ، والعاري يطلب الكسوة التي تقيه برد الهواء وحره وتستر عورته ، والجاني العالم بأنك قادر على مؤاخذته يطلب منك العفو عن جنايته ، فاهد الحيران ، وأطعم الجائع ، واسق الظمآن ، واكس العريان ، فعمم بقوله (وَأَمَّا السَّائِلَ) وإن كان المقصود في سبب نزولها السؤال في العلم ، لأنه تعليم لحال سابق كان لرسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وهو قوله (وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدى) فقال له (وَأَمَّا السَّائِلَ) إذا جاءك يسألك فإنما هو بمنزلتك حين كنت ضالا (فَلا تَنْهَرْ) فلا تنهره كما لم أنهرك ، وبيّن له كما بينت لك ، ولقد علمنا رسول الله صلىاللهعليهوسلم من هذا الباب في تأديب الصحابة ما يتأدب به في ذلك ، وذلك أن رجلا جاء إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم وهو بين ظهراني أصحابه ، فقال [يا رسول الله إني أسألك عن ثياب أهل الجنة ، أخلق تخلق أم نسيج تنسج؟ فضحك الحاضرون من سؤاله ، فغضب رسول الله صلىاللهعليهوسلم وقال : (أتضحكون أن جاهلا سأل عالما ، يا هذا الرجل إنها تشقق عنها ثمر الجنة) فأجابه بما أرضاه ، وعلّم أصحابه الأدب مع السائل ، فأزال خجله وانقلب عالما فرحا ، فقد جرت العادة عند العلماء القاصرين عما ذكرناه أن المتعلم السائل إذا جاء ليسأل العالم عن أمر لا يعلمه ، فإن كانت المسألة بالنظر إلى حالة السائل عظيمة قال له : لا تسأل عما لا يعنيك ، وهذا ليس قدرك ، وتقصر عن فهم الجواب على هذا السؤال ، وليس الأمر كذلك ، ولا في نفس الأمر ، وإنما القصور في المسئول حيث لم يعلم الوجه الذي تحتمله المسألة بالنظر إلى هذا السائل ، فيعلمه به ليحصل له الفائدة فيما سأل عنه ، ويستر عنه الوجوه التي فيها مما لا يحتمله عقله ، ولا يبلغ إليه فهمه ، فيسر السائل بجواب العالم ويصير عالما بتلك المسئلة من ذلك الوجه ، وهو وجه صحيح ، فما سأل سائل قط في مسئلة ليس فيه أهلية لقبول جواب عنها ، قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم [إن الله أدبني فأحسن