حتى قالت طائفة : إن شكر المنعم واجب عقلا ، جعل الله التحدث بالنعم شكرا ، فإذا سمع المحتاج ذكر المنعم مال إليه بالطبع وأحبه ، فلذلك أمر الله نبيه صلىاللهعليهوسلم أن يتحدث بنعم الله عليه ، لأن التحدث بنعم الله شكر لفظي ، لما فيه من الثناء على الله ، لما يكون منه وبما أنعم به عليه من النعم المعلومة في العرف ، من المال والعلم ، فإظهار النعم عين الشكر وحقه ، وبمثل هذا يكون المزيد ، كما يكون بالكفران لها زوال النعم ، والكفران سترها ، فإن الكفر معناه ستر ، وإذا ذكر العبد ما أنعم الله به عليه من النّعم المعروفة في العرف من المال والعلم فقد عرض نفسه ليقصد في ذلك ، فيجود به على القاصد ، فيدخل بذلك في الشكر العملي ، لأن من النعم ما يكون مستورا لا يعرف صاحبها أنه صاحب نعمة فلا يقصد ، فإذا حدث بما أعطاه الله وأنعم عليه به قصد في ذلك ، فلهذا أمر بالحديث بالنعم ، والتحدث بالنعم شكر ، والإعطاء منها شكر ، فيجمع بين الذكر والعمل ، ومن هذا نعلم أن الله لا يحب من عباده من يستر نعمه ، كانت النعم ما كانت ، فما تحدث به لم يستر ، وقال [التحدث بالنعم شكر] وإذا أنعم الله على عبده نعمة أحب أن ترى عليه ، ونعمه التي أسبغها على عباده ظاهرة وباطنة ، ومن ستر النعمة فقد كفر بها ، ومن كفر بها أذاقه الله لباس الجوع والخوف لستر النعم وجحدها والأشر والبطر بها ، وفي هذه الآية نص لمن قام الدليل على عصمته ، فله أن يثني على نفسه بما أعلمه الله أنه عليه من الصفات المحمودة ، فإنها من أعظم النعم الإلهية على عبده. قال يوسف عليهالسلام (اجْعَلْنِي عَلى خَزائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ) ـ نصيحة ـ إذ ولابد من الحديث فلا تتحدث إلا بنعمة ربك ، وأعظم النعم ما أعطيت الأنبياء والرسل فبنعمهم تحدث.
(٩٤) سورة الشّرح مكيّة
بسم الله الرّحمن الرّحيم
لقد حاز صلىاللهعليهوسلم المقام الأدنى في الآخرة والأولى فالعالي يقول (وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضى) والأعلى يقال له (وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضى) العالي يقول (رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي) والأعلى تقرر عليه النعم.