بتعظيم الله إياها لا من جهة القسم بها ؛ فإنه لا يجوز لنا أن نقسم بها ، ومن أقسم بغير الله كان مخالفا أمر الله.
(لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ) (٤)
أي التقويم الذي خلقه عليه أفضل من كل تقويم ، فكلّ موجود على التقويم الذي يعطيه خلقه بقوله تعالى : (أَعْطى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ) وما صحت هذه الصفة التي فضل بها على غيره إلا بكونه خلقه الله على صورته التي خصّه بها ، وهي التي أعطته هذه المنزلة ، فكان أحسن تقويم في حقه لا عن مفاضلة أفعل من كذا ، بل مثل قوله (الله أكبر) لا عن مفاضلة ، بل الحسن المطلق للعبد الكامل كالكبرياء المطلق الذي للحق ، فهو أحسن تقويم لا من كذا كما هو الحق أكبر لا من كذا ، فالإنسان هو أكمل المكلفين وجودا وأعمه وأتمه خلقا وأقومه ، فما فضّل القديم إلا المخلوق في أحسن تقويم ، فهو العالم لا بل هو العلّام ، مصباح الظلام ، معيّن الأيام ، الإمام ابن الإمام ، المؤتى جوامع الكلم وجميع الأسماء والكلام ، فافصح وأبان لما علمه البيان ، ووضع له الميزان ، فأدخله في الأوزان ، وزان وما شان ، فبالصورة علا وفضل ، ونزل وسفل إذ جار وما عدل ، الأسفل في أسفل سافلين بالطين والماء المهين ، وإن تساووا في النشأة العنصرية بالقرار المكين ، والتنقل في الأطوار ، والانحصار خلف الأسوار ، بالكل والبعض ، والإبرام والنقض ، والتقويض والبناء ، والقالة بالثناء ، فمحمد ومذمّم ، ومؤخر ومقدّم ، فالعبد هو المصمت في عبوديته ، فإن حاد العبد عن هذه المرتبة بوصف ما رباني ، وإن كان محمودا من صفة رحمانية وأمثالها ، فقد زال عن المرتبة التي خلق لها ، وحرم الكمال والمعرفة بالله على قدر ما اتصف به من صفات الحق ، فليقلل أو يكثر ، واعلم أن للإنسان حالتين : حالة عقلية نفسية مجردة عن المادة ، وحالة عقلية مدبرة للمادة ، فإذا كان في حال تجريده عن نفسه ، وإن كان متلبسا بها حسا فهو على حالته في أحسن تقويم ، فإذا قال : الله ؛ نطق بنطقه جميع العالم من كل ماسوى الله ، فقامت تسبيحته مقام تسبيح ما ذكرته ، فأجره غير ممنون ، وفيه قال تعالى : (لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ) أبرزه نسخة كاملة جامعة لصور حقائق المحدث وأسماء القديم ، أقامه سبحانه معنى رابطا للحقيقتين ، وأنشأه برزخا جامعا للطرفين والرقيقتين ، أحكم بيديه صنعته ، وحسّن