بعنايته صبغته ، فكانت مضاهاته للأسماء الإلهية بخلقه ، ومضاهاته للأكوان العلوية والسفلية بخلقه ، فتميز عن جميع الخلائق بالخلقة المستقيمة والخلائق ، عيّن سبحانه سره مثالا في حضرة الأسرار ، وميز نوره من بين سائر الأنوار ، ونصب له كرسي العناية بين حضرتيه ، وصرف نظر الولاية والنيابة فيه وإليه ، فلو لا ما صح لهذا الإنسان أحسن تقويم ، وفطر على صورة القديم ، لما صح عنه وجود خلق ، ولا دان له الملأ الأعلى ، ولا ظهر بالموقف الأجلى ، ولا عنت له وجوه الأملاك ، ولا دارت بنفسه أجرام الأفلاك ، فاشكر الله يا أيها الإنسان على ما خصك به الجواد الرحمن من كمال هذه النصبة ، وأوقفك على حقائق هذه النسبة فإن الإنسان ذو نسبتين كاملتين : نسبة يدخل بها إلى الحضرة الإلهية ، ونسبة يدخل بها إلى الحضرة الكيانية ، فيقال فيه : عبد من حيث أنه مكلّف ولم يكن ثم كان كالعالم ، ويقال فيه : رب من حيث أنه خليفة ومن حيث الصورة ومن حيث أحسن تقويم ، فله الكمال المطلق في الحدوث والقدم ، والحق له الكمال المطلق في القدم ، وليس له في الحدوث مدخل يتعالى عن ذلك ، والعالم له الكمال في الحدوث وليس له في القدم مدخل ، فصار الإنسان جامعا ، لله الحمد على ذلك ، فما أشرفها من حقيقة ، وما أظهره من موجود ، وما أخسها وما أدنسها في الوجود ، إذا قد كان منها محمد صلىاللهعليهوسلم وأبو جهل ، وموسى عليهالسلام وفرعون ، فتحقق أحسن تقويم واجعله مركز الطائعين المقربين ، وتحقق أسفل سافلين واجعله مركز الكافرين الجاحدين ، لذلك قال تعالى : (فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ) فما بعده أحسن منه.
إشارة ـ إلى الإنسان الكامل الخليفة بقوله (فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ) فقال في معرض التشريف والتنزيه ، والتعريف والتنبيه ، على التقويم الأكمل الأحسن ، والخلق الأجمل الأتقن (١) ، المحفوظ المصون ، في آلم تنزيل والتين والزيتون ، كأنه يقول عبدي أنت حمدي ، وحامل أمانتي وعهدي ، أنت طولي وعرضي ، وخليفتي في أرضي ، والقائم بقسطاس حقي والمبعوث إلى جميع خلقي ، عالمك الأدنى ، بالعدوة الدنيا والعدوة القصوى ، أنت مرآتي ، ومجلى صفاتي ، ومفصل أسمائي ، وفاطر سمائي ، أنت موضع نظري من خلقي ، ومجتمع جمعي وفرقي ، أنت ردائي ، وأنت أرضي وسمائي ، وأنت عرشي
__________________
(١) إشارة إلى قوله تعالى في سورة آلم تنزيل (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ).