نشأ عندما أنشأ الله صورة جسده وروحه المدبرة له ، فرده إلى أصل ما خلقه منه ، فلم ينظر ابتداء إلا إلى طبيعته وما يصلح ، وأين هو من قوله : بلى ، عن معرفة صحيحة. فما أشرف الإنسان من حيث هو مجتمع الموجودات ومحل المضاهاة ومرآة المؤمن في الذات والصفات ، وما أوضعه حيث عمي عن معاينة ما أخفي له من قرة أعين ، يا أسفاه ما أشقاه ، إذا فاز بلذة سواه.
(إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ) (٦)
(إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) فإن عمله يصعد به إلى عليين (إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ) فيكون له أجر غير ممنون ، وهو الأجر المكتسب ، ولا يكون الأجر إلا مكتسبا ، فإن أعطى ما هو خارج عن الكسب لا يقال فيه أجر ، بل هو نور وهبات ، إذا فهمت ذلك علمت أن الإنسان سر الوجود وروحه ومعناه ، وهو البداية والنهاية وهو المقصد الأقصى والعمد الذي لا يرى ، الممسوك لأجله السموات العلى أن تقع على الأرض ، وهو الختم الحافظ للدنيا ، وبفكه منها يكون ختما على الآخرة ، فقد جمعت صورته من العوالم مالا يحصى ، ومن الرقائق والدقائق والحقائق مالا يستقصى ، فبه دارت الأفلاك ، وله سجدت الأملاك ، فما أشرفه إن عرف نفسه ، هكذا ، فيعرف ربه الغفار ، فهو إذا في أحسن تقويم وله أجر غير ممنون ، وما أسخفه إن جهلها فيدعى الظالم الكفار ، في لسان الأغيار ، ويرد إلى أسفل سافلين ، فو الله ما سبق مقصر مجدا أبدا.
(فَمَا يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِالدِّينِ (٧) أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ) (٨)
(٩٦) سورة العلق مكيّة
بسم الله الرحمن الرحيم
(اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (١) خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ (٢) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (٣)