فما عرفهم إلا ليلزموا الحياء منه تعالى في تعدي حدوده ، قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم [استحيوا من الله حق الحياء] ومن هذه الآية نعلم أن الممكنات وإن كانت لا تتناهى وهي معدومة ، فإنها عندنا مشهودة للحقّ عزوجل من كونه يرى ، فإنّا لا نعلل الرؤية بالموجود ، وإنما نعلل الرؤية للأشياء بكون المرئي مستعدا لقبول تعلق الرؤية به ، سواء كان معدوما أو موجودا ، وكل ممكن مستعد للرؤية ، فالممكنات وإن لم تتناه فهي مرئية لله عزوجل ، لا من حيث نسبة العلم ، بل من نسبة أخرى تسمى رؤية ، كانت ما كانت ، لذلك لم يقل تعالى هنا : ألم يعلم بأن الله يعلم ؛ وبهذه الآية قصم الظهر وحير العقل ، فإنه صلىاللهعليهوسلم قال [إن لله سبعين حجابا من نور وظلمة ، لو كشفها لأحرقت سبحات وجهه ما أدركه بصره من خلقه].
(كَلَّا لَئِن لَّمْ يَنتَهِ لَنَسْفَعًا بِالنَّاصِيَةِ (١٥) نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ (١٦) فَلْيَدْعُ نَادِيَه (١٧) سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ (١٨) كَلَّا لَا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ) (١٩)
جاء الأمر بالسجود هنا بعد كلمة ردع وزجر ، وهو قوله (كَلَّا لا تُطِعْهُ) لما جاء به من لا يؤمن بالله واليوم الآخر ، يقول له ربه : (وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ) لما تعتصم مما دعاك إليه فتأمن من غائلة ذلك ، وقد جعل الله القربة في الصلاة في حال السجود ، وليس الإنسان بمعصوم من الشيطان في شيء من صلاته إلا في السجود ، فإنه إذا سجد اعتزل عنه الشيطان يبكي على نفسه ، ويقول : أمر ابن آدم بالسجود فله الجنة ، وأمرت بالسجود فأبيت فلي النار ؛ وإنما أمرت الملائكة والخلق بالسجود وجعل معه القربة ، وقال صلىاللهعليهوسلم [أقرب ما يكون العبد من الله في سجوده] ليعلموا أن الحق في نسبة الفوق إليه من قوله : (وَهُوَ الْقاهِرُ فَوْقَ عِبادِهِ) و (يَخافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ) كنسبة التحت إليه ، فإن السجود طلب السفل بوجهه ، كما أن القيام يطلب الفوق إذا رفع وجهه بالدعاء ويديه ، وقد جعل الله السجود حالة القرب من الله ، فلم يقيده سبحانه الفوق عن التحت ولا التحت عن الفوق ، فإنه خالق الفوق والتحت ، فشرع الله للعبد السجود ، وجعل له فيه القربة ، لأنه ربما يتخيل العبد تنزيه الحق عن التحت أن يكون له نسبة إليه ، فطلبت الوجوه بالسجود رؤية ربها ، لأن الوجوه مكان الأعين ، والأعين محل الأبصار ، فطلبه العبد في سجوده ليراه من حيث